للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَغْلَالِ وَالْآصَارِ الَّتِي كَانَت عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَوَضَعَهَا اللهُ عَنَّا عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

وَمَن اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ فِي مَوَارِدِهَا وَمَصَادِرِهَا وَجَدَهَا مَبْنِيَّةً عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] .. فَكُلُّ مَا احْتَاجَ النَّاسُ إلَيْهِ فِي مَعَاشِهِمْ وَلَمْ يَكُن سَبَبُهُ مَعْصِيَةً - هِيَ تَرْكُ وَاجِبٍ أَو فِعْلُ مُحَرَّمٍ - لَمْ يُحَرَّمْ عَلَيْهِم؛ لِأَنَّهُم فِي مَعْنَى الْمُضْطَرّ الَّذِي لَيْسَ بِبَاغٍ وَلَا عَادٍ.

وَإِن كَانَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً كَالْمُسَافِرِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ اُضْطُرَّ فِيهِ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْمُنْفِقِ لِلْمَالِ فِي الْمَعَاصِي حَتَّى لَزِمَتْهُ الدُّيُونُ: فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ، وَيُبَاحُ لَهُ مَا يُزِيلُ ضرُورَتَهُ، فَتُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ، ويُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ مِن الزَّكَاةِ.

وَإِن لَمْ يَتُبْ: فَهُوَ الظَّالِمُ لِنَفَسِهِ الْمُحْتَالُ.

وَهَذَا الْقَوْلُ الْمَأْثُورُ عَن السَّلَف الَّذِي اخْتَارَة ابْنُ عَقِيلٍ: هُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَد وَبَعْضِ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى (١).

فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ هُنَا غَرَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَد يُثْمِرُ قَلِيلًا وَقَد يُثْمِرُ كَثِيرًا.

يُقَالُ: وَمِثْلُهُ فِي إكْرَاء الْأَرْضِ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ غَرَرٌ أَيْضًا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ؛ فَإِنَّهَا قَد تُنْبِتُ قَلِيلًا وَقَد تُنْبِتُ كَثِيرًا.

وَإِن قِيلَ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَاكَ التَّمَكُّنُ مِن الِازْدِرَاعِ لَا نَفْسُ الزَّرْعِ النَّابِتِ.

قِيلَ: وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُنَا التَّمَكُّنُ مِن الِاسْتِثْمَارِ، لَا نَفْسُ الثَّمَرِ الْخَارج، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ الزَّرْعُ وَالثَّمَرُ.

وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعِوَضُ بِالتَّمَكنِ مِن تَحْصِيلِ ذَلِكَ، كَمَا أنَّ الْمَقْصُودَ بِاكْتِرَاءِ الدَّارِ إنَّمَا هُوَ السُّكْنَى وإِن وَجَبَ الْعِوَضُ بِالتَّمَكُّنِ مِن تَحْصِيلِ ذَلِكَ.


(١) مع أن جماهير العلماء على خلافه، بل وحُكي الإجماع المنع من ذلك، ولكن الشيخ -رحمه الله- لا يهوله كثرةُ المخالفين، بل ينظر إلى كلام الله وكلام رسوله ومقاصد الشريعة، ولو خالف من خالف.

<<  <  ج: ص:  >  >>