فَظَهَرَ بِهِ أَنَّ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مِن بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ زُهوِّهَا وَبَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ لَيْسَ هُوَ -إنْ شَاءَ اللهُ- إكْرَاؤُهَا لِمَن يُحصِّلُ ثَمَرَتهَا وَزَرْعهَا بِعَمَلِهِ وَسَقْيِهِ، وَلَا هَذَا دَاخِلٌ فِي نَهْيِهِ لَفْظًا وَلَا مَعْنًى.
يُوَضِّحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْبَائِعَ لِثَمَرَتِهَا عَلَيْهِ تَمَامُ سَقْيِهَا وَالْعَمَلُ عَلَيْهَا حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِن الْجِذَاذِ، كَمَا عَلَى بَائِعِ الزَّرْعِ تَمَامُ سَقْيِهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِن الْحَصَادِ؛ فَإِنَّ هَذَا مِن تَمَامِ التَّوْفِيَةِ، وَمَئُونَةُ التَّوْفِيَةِ عَلَى الْبَائِعِ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.
وَأَمَّا الْمُكْرِي لَهَا لِمَن يَخْدِمُهَا حَتَّى تُثْمِرَ فَهُوَ كَمُكْرِي الْأَرْضِ لِمَن يَخْدمُهَا حَتَّى تَنْبُتَ، لَيْسَ عَلَى الْفكْرِي عَمَلٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِن الْعَمَلِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الثَّمَرُ وَالزرْعُ.
لَكِنْ يُقَالُ: طَرْدُ هَذَا: أَنْ يَجُوزَ إكْرَاءُ الْبَهَائِمِ لِمَن يَعْلِفُهَا وَيَسْقِيهَا وَيحْتَلِبُ لَبَنَهَا.
قِيلَ: إذَا جَوَّزنا عَلَىْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنْ تُدْفَعَ الْمَاشِيَةُ إلَى مَن يَعْلِفُهَا ويَسْقِيهَا بِجُزْءٍ مِن دَرِّهَا وَنَسْلِهَا (١): جَازَ دَفْعُهَا إلَى مَن يَعْمَلُ عَلَيْهَا لِدَرِّهَا وَنَسْلِهَا بِشَيءٍ مَضْمُونٍ.
وإِن قِيلَ: فَهَلَّا جَازَ إجَارَتُهَا لِاحْتِلَابِ لَبَنِهَا كَمَا جَازَ إجَارَةُ الظّئْرِ؟
قِيلَ: .. الْقِيَاسُ: جَوَازُهُ.
وَلَو كَانَ لِرَجُلٍ غَنَمٌ فَاسْتَأجَرَ غَنَمَ رَجُلٍ ليُرْضِعَهَا: لَمْ يَكُن هَذَا مُمْتَنِعًا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُسْتَأجِرُ هُوَ الَّذِي يَحْلِبُ اللَّبَنَ، أَو هُوَ الَّذِي يَسْتَوْفِيهِ: فَهَذَا مُشْتَرٍ لِلَبَنِ، لَيْسَ مُسْتَوْفِيًا لِمَنْفَعَة، وَلَا مُسْتَوْفِيًا لِلْعَيْنِ بِعَمَل، وَهُوَ شَبِيةٌ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ، وَاحْتِلَابُهُ كَاقْتِطَافِهَا، وَهُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "لَا يُبَاعُ لَبَنٌ فِي ضَرْعٍ".
(١) وهو الراجح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute