السِّنِينَ: فَهُوَ -وَاللهُ أَعْلَمُ- مِثْلُ نَهْيِهِ عَن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، إنَّمَا نَهَى أَنْ يَبْتَاعَ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ الَّتِي يَسْتَثْمِرُهَا رَبُّ الشَّجَرَةِ، وَأَمَّا اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ وَالشَّجَرَةِ حَتَّى يَسْتَثْمِرَهَا فَلَا يَدْخلُ هَذَا فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ، وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعٌ مِن الْإِجَارَةِ.
وَنَظِيرُ هَذَا: مَا تَقَدَّمَ مِن حَدِيثِ جَابِرٍ فِي "الصَّحِيحِ" (١) مِن أَنَّهُ "نَهَى عَن كِرَاءِ الْأَرْضِ"، وَأَنَّهُ "نَهَى عَن الْمُخَابَرَةِ"، وَأَنَّهُ "نَهَى عَن الْمُزَارَعَةِ"، وَأَنَّهُ قَالَ: "لَا تكروا الأرْضَ": فَإنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ: الْكِرَاءُ الَّذِي كَانُوا يَعْتَادُونَهُ، كمَا جَاءَ مُفَسَّرًا، وَهِيَ الْمُخَابَرَةُ وَالْمُزَارَعَةُ الَّتِي كَانُوا يَعْتَادُونَهَا، فَنَهَاهُم عَمَّا كَانُوا يَعْتَادُونَهُ مِن الْكِرَاءِ وَالْمُعَاوَمَةِ الَّذِي يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ تَصْلُحَ، وَإِلَى الْمُزَارَعَةِ الْمَشْرُوطِ فِيهَا جُزْءٌ مُعَيَّن.
٣٥٢١ - إكْرَاءُ الشَّجَرِ لِلِاسْتِثْمَارِ يَجْرِي مَجْرَى إكْرَاءِ الْأَرْضِ لِلِازْدِرَاعِ، وَاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ لِلرِّضَاعِ.
وَذَلِكَ: أَنَّ الْفَوَائِدَ الَّتِي تُسْتَخْلَفُ مَعَ بَقَاءِ أُصُولِهَا تَجْرِي مَجْرَى الْمَنَافِعِ وإِن كَانَت أَعْيَانًا، وَهِيَ ثَمَرُ الشَّجَرِ، وَلَبَن الْآدَمِيَّاتِ وَالْبَهَائِمِ، وَالصُّوف وَالْمَاء الْعَذْبِ: فَإِنَّهُ كُلَّمَا خُلِقَ مِن هَذِهِ شَيءٌ فَأُخذ خَلق الله بَدَلَهُ مَعَ بَقَاء الْأصْلِ كَالْمَنَافِعِ سوَاءٌ.
وَلهَذَا جَرَتْ فِي الْوَقْفِ وَالْعَارِية وَالْمُعَامَلَةِ بِجُزْءٍ مِن النَّمَاءِ مَجْرَى الْمَنْفَعَةِ؛ فَإِنَّ الْوَقْفَ لَا يَكُون إلَّا فِيمَا ينْتَفعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، فَإِذَا جَازَ وَقْفُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ أَو الرِّبَاعِ لِمَنْفَعَتِهَا فَكَذَلِكَ وَقْفُ الْحِيطَانِ لِثَمَرَتِهَا، وَوَقْفُ الْمَاشِيَةِ لِدَرِّهَا وَصُوفِهَا، وَوَقْفُ الْآبَارِ وَالْعُيُونِ لِمَائِهَا، بِخِلَافِ مَا يَذْهَبُ بِالِانْتِفَاعِ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُوقَفُ.
٣٥٢٢ - مَن اسْتَقْرَأَ الشَّرِيعَةَ تبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ إذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ يَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ: وَجَبَتْ.
(١) رواه مسلم (١٥٣٦، ١٥٣٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute