فَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَمَعَ حَاجَةِ رَبِّ الْمَالِ المُكافِيَة لِحَاجَةِ الْمُعْتَاضِ: فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى؛ فَإِنَ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَالرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِن وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، "وَابْدَأ بِنَفْسِك ثُمَّ بِمَن تَعُولُ".
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ حَسَنَةٌ مُنَاسِبَةٌ وَلَهَا شَوَاهِدُ كَثيرَة فِي الشَّرِيعَةِ.
وَبِالْجُمْلَةِ: فَوُجُوبُ الْمُعَاوَضَاتِ مِن ضَرُورَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ؛ إذ الْإِنْسَانُ لَا يَنْفَرِدُ بِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ؛ بَل لَا بُدَّ لَهُ مِن الِاسْتِعَانَةِ بِبَنِي جِنْسِهِ، فَلَو لَمْ يَجِبْ عَلَى بَنِي آدمَ أَنْ يَبْذُلَ هَذَا لِهَذَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَهَذَا لِهَذَا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لَفَسَدَ النَّاسُ، وَفَسَدَ أَمْرُ دُنْيَاهُم وَدِينِهِمْ، فَلَا تَتِمُّ مَصَالِحُهُم إلَّا بِالْمُعَاوَضَةِ، وَصَلَاحُهَا بِالْعَدْلِ الَّذِي أَنْزَلَ اللهُ لَهُ الْكُتُبَ وَبَعَثَ بِهِ الرُّسُلَ، فَقَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥].
وَلَا ريبَ أَنَّ النفوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى بَذْلِ الْمُعَاوَضَةِ لِحَاجَتِهَا إلَيْهَا؛ فَالشَّارعُ إذَا بُذِلَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بِلَا إكْرَاهٍ: لَمْ يَشْرَعِ الْإِكْرَاهَ وَرَدَّ الْأَمْر إلَى التَّرَاضِي فِي أَصْلِ الْمُعَاوَضَةِ وَفِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبْذَلْ:
أ - فَقَد يُوجِبُ الْمُعَاوَضَةَ تَارَةً.
ب - وَقَد يُوجِبُ عِوَضا مُقَدَّرًا تَارَةً.
ج - وَقَد يُوجِبُهُمَا جَمِيعًا.
د - وَقَد يُوجِبُ التَّعْوِيضَ لِمَعَانٍ (١) أُخْرَى.
مِثَالُ الْأوَّلِ: مَن عَلَيْهِ دَيْن فَطُولِبَ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا عَرَضٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ لِيُوفِيَهُ الدَّيْنَ، فَإِنَّ وَفَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ، وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالْبَيْعِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَللْحَاكِمِ أَنْ يُكْرِهَهُ عَلَى بَيْعِ الْعَرَضِ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ، وَلَهُ أَنْ
(١) في الأصل: (لِمُعَيَّن)، ولعل المثبت هو الصواب؛ ليستقيم المعنى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute