للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

بِالْخَرَاجِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ إعْطَاءَهَا لِمَن أُعْطَيَتْه بِالْخَرَاجِ قَد قِيلَ: إنَّهُ بَيْعٌ بِالثَّمَنِ الْمُقَسَّطِ الدَّائِمِ.

وَالتحْقِيقُ: أَنَّهَا معَامَلَة قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا، ذَاتُ شَبَهٍ مِن الْبَيْعِ وَمِن الْإِجَارَةِ .. فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكِ الْعَيْنَ مُطْلَقًا وَلَمْ يَسْتَأْجِرْهَا، وَإِنَّمَا مَلَكَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ مُؤَبَّدَةً.

يُوَضحُ ذَلِكَ: أَنَّ أَصْلَ الْخَرَاجِ (١) فِي قَوْلِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [الحشر: ٧]، فَإنَّ هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ، وَمَعَ هَذَا فَقَدَ أَضَافَ الْقُرَى إلَيْهِم فَعُلِمَ اخْتِصَاصُهُم بِهَا.

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ: فَلَو أَخَذَهُ ذِمِّيٌّ مِن الذِّمِّيِّ الْأَوَّلِ بِالْخَرَاجِ وَعَاوَضَهُ عَلَى ذَلِكَ عِوَضًا لَمْ يَكُن فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَصْلًا فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ.

لِأَنَّهُ إنْ قِيلَ: إَّنهُ وَقْفٌ، فَهَذَا لَا يُخْرِجُهُ بِهَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ عَن أَنْ يَكُونَ وَقْفَا؛ بَل مُسْتَحَقُّ أَهْلِ الْوَقْفِ بَاقٍ كَمَا كَانَ، وَبَيْعُ الْوَقْفِ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ لِإِزَالَةِ حَقِّ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَهَذَا لَا يَزُولُ، بَل هُوَ بِمَنْزِلَةِ إجَارَةِ أَرْضِ الْوَقْفِ بِأكْثَرَ مِمَّا اسْتَأجَرَهَا، فَكَأنَّهُ قَالَ: أكريتك هَذِهِ الْأرْضَ بِمَا عَلَيَّ مِن الْخَرَاجِ وَبِالزِّيَادَةِ الَّتِي تُعَجِّلُهَا إلَيَّ، وَلهَذَا يَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَةِ مَن هِيَ فِي يَدِهِ، وَالْوَقْفُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ، فَإذَا جَازَ انْتِقَالُهُ بِالْأِرْثِ عَلَى صِفَةِ مَا كَانَ -وَالْهِبَةُ مِثْلُهُ- فَكَذَلِكَ الْمُعَاوَضَةُ سَوَاءٌ سُمِّيَتْ بَيْعًا أَو إجَارَةً.

وَلهَذَا جَوَّزَ أَحْمَد إصْدَاقَ الْأرْضِ الخراجية وَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا وَأُجْرَةً، وَمَا كَانَ ثَمَنًا كَانَ مُثَمَّنًا.

فَهَذَا بَابٌ يَنْبَغِي تَأَمُّلُهُ.

٣٥٢٥ - بُيُوتُ مَكَّةَ: أَحْسَنُ مَا فِيهَا أنَّه لَا تَجُوزُ إجَارَتُهَا؛ بَل يَجِبُ بَذْلُهَا


(١) قال الشيخ: الْخَرَاجُ: ضَرِيبَةٌ عَلَى الْأرْضِ التي فِيهَا شَجَرٌ وَالْأرْضِ الْبَيْضَاءِ.
وَضَرَبَ عَلَى جَرِيبِ النُّخْلِ مِقْدَارًا وَعَلَى جَرِيب الْكَرْمِ مِقْدَارًا، وَهَذَا بِعَينِهِ إجَارَةٌ لِلْأرْضِ مَعَ الشُّجَرِ. (٣٠/ ٢٣٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>