للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

لَكِنْ يُقَالُ عَلَى هَذَا: الْمَظْلُومُ لَيْسَ لَهُ إلَّا قَدْرُ حَقّهِ، وَأَمَّا الزّيَادَةُ الثَّانِيَةُ الَتِي حَصَلَتْ بِتَصَرُّفِ الظَّالِمِ فَهِيَ مَبْنِيَّة عَلَى وَقْفِ الْعُقُودِ (١)، فَمَن قَالَ: إنَّ الْعُقُودَ لَا تُوقَفُ يَقُولُ: مَا قَبَضَهُ الْبَائِغ الظَّالِمُ مِن الْمُشْتَرِي لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَالثَّمَنُ الَّذِي أدَّاهُ وَقَد غَصَبَهُ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ دُونَ النَّاسِ الَّذِينَ ظَلَمَهُمْ، وَمَا فِي يَدِهِ لَا يَمْلِكُهُ؛ بَل هُوَ لِأُنَاسٍ مَجْهُولِينَ لَا يَعْرِفُهُمْ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِمْ إلَّا بِإِذْنِهِمْ.

وَعَلَى هَذَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

قِيلَ: إنَّ وَليَّ الْأَمْرِ كَالْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِمَّن لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْغَائِبِينَ يَقْضِي الدُّيُونَ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِم لِلْبَائِعِ بِالْأَمْوَالِ الَّتِي فِي يَدِهِ لَهُمْ.

وَقِيلَ: إنَّ الْبَائِعَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ الَّذِي عَلَيْهِم مِمَّا لَهُم فِي يَدِهِ مِن الْمَالِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِئْذَانِ حَاكِمٍ وَهَذَا أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الْمَعْلُومَ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ مِن مَالِ مَن هُوَ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ، كَمَا أَذِنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِلضَّيْفِ الْمَظْلُومِ أَنْ يَأْخُذَ حَقَّهُ مِن زَرْعِ الْمُضيفِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَكَمَا أَمَرَ الْمَرْأَةَ أَنْ تَأْخُذَ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالْمَعْرُوفِ بِلَا إذْنِ الزَّوْجِ.

لَكِنْ إذَا كَانَ الْحَقُّ مَجْحُودًا: فَقَد قَالَ: "أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَن ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَن خَانَك" (٢)، فَكَيْفَ إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ قَد بَاعَ غَيْرَة سِلْعَةً بَيْعًا فَاسِدًا،


(١) معنى وَقْف الْعُقُودِ: هو أنه إذَا تَصَرَّفَ الرَّجُلُ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ: هَل يَقَعُ تَصَرُّفُهُ مَرْدُودًا أَو مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَتهِ؟
رجح الشيخ -رحمه الله- أنها موقوفة على الإجازة، حيث قال في موضع آخر: وَالْقَوْلُ بِوَقْفِ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إضْرَارًا أَصْلًا، بَل صَلَاحٌ بِلَا فَسَادٍ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَد يَرَى أَنْ يَشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ أَو يَبِيعَ لَهُ أو يَسْتَأْجِرَ لَهُ أو يُوجِبَ لَهُ ثُمَّ يُشَاوِرَهُ، فَإِنْ رَضِيَ وَإِلَّا فَلَمْ يُصِبْهُ مَا يَضُرُّهُ، وَكَذَلِكَ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَعَ الْحَاجَةِ فَالْقَوْلُ بهِ لَا بُدَّ مِنْهُ. اهـ. (٢٠/ ٥٨٠)
(٢) رواه أبو داود (٣٥٣٤)، والترمذي (١٢٦٤)، والدارمي (٢٦٣٩)، وأحمد (١٥٤٢٤). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

<<  <  ج: ص:  >  >>