للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ أَيْضًا عَن مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ البيلماني عَن أَبِيهِ عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "النَّاسُ عَلَى شُرُوطِهِمْ مَا وَافَقَت الْحَقَّ".

وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ -وَإِن كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهَا ضعِيفًا- فَاجْتِمَاعُهَا مِن طُرُقٍ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

وَقَد وَرَدَتْ شُبْهَةٌ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ حَتَّى تَوَهَّمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَنَاقِضٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَل كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا بِدُونِ الشَّرْطِ: فَالشَّرْطُ لَا يُبِيحُهُ؛ كَالرِّبَا، وَكَالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ، وَكَثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ.

وَأَمَّا مَا كَانَ مُبَاحًا بدُونِ الشَرْطِ: فَالشَّرْطُ يُوجِبُهُ؛ كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَالْمُثْمنِ وَالرَّهْنِ وَتَأَخِيرِ الِاسْتِيفَاءِ.

وَأَمَّا الِاعْتِبَارُ فَمِن وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ مِن بَابِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَّةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ، فَيُسْتَصْحبُ عَدَم التَّحْرِيمِ فِيهَا حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ، كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ: الْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ التَّحْرِيمِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩]، عَامٌّ فِي الْأَعْيَانِ وَالْأَفْعَالِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَرَامًا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ إنَّمَا يَنْشَأُ مِن التَّحْرِيمِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً كَانَت صَحِيحَةً.

وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ قَد تَبْطُلُ لِكَوْنِهَا قَد تُنَافِي مَقْصُودَ الشَّارعِ (١) مِثْل اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ (٢)؛ فَإِنَ هَذَا لَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَا مَقْصُودَهُ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ: الْمِلْكُ، وَالْعِتْقُ قَد يَكونُ مَقْصُودًا لِلْعَقْدِ.


(١) لا لكونها تُنافي مقصود العقد أو مُقتضى العقد.
(٢) ثبت في الصحيحين عن عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِىَ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطُوا عَلَيْهَا الْوَلاءَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنبِيّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: "اشْتَرِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاءَ لِمَن أَعْتَقَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>