للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِنَّ اشْتِرَاءَ الْعَبْدِ لِعِتْقِهِ يُقْصَدُ كَثِيرًا، فَثُبُوتُ الْوَلَاءِ لَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يُنَافِي كِتَابَ اللهِ وَشَرْطَهُ، كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَوْلِهِ: "كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللهِ أَوْثَقُ" (١)، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُنَافِيًا لِمَقْصودِ الْعَقْدِ كَانَ الْعَقْدُ لَغْوًا، وَإِذَا كَانَ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الشَّارعِ كَانَ مُخَالِفًا للهِ وَرَسُولِهِ.

فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا: فَلَمْ يَكُن لَغْوًا وَلَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا حَرَّمَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ: فَلَا وَجْهَ لِتَحْرِيمِهِ بَل الْوَاجِبُ حِلُّهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَقْصُودٌ لِلنَّاسِ يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ؛ إذ لَوْلَا حَاجَتُهُم إلَيْهِ لَمَا فَعَلُوهُ، فَإِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الْفِعْلِ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كتَابِ اللهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِن كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، كِتَابُ اللهِ أَحَقُّ وَشَرْطُهُ أَوْثَق" .. : إنَّمَا يَشْمَلُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللهِ لَا بِعُمُومِهِ وَلَا بِخُصُوصِهِ، فَإِنَّ مَا دَلَّ كِتَابُ اللهِ عَلَى إبَاحَتِهِ بِعُمُومِهِ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا: هَذَا فِي كِتَابِ اللهِ يَعُمُّ مَا هوَ فِيهِ بِالْخُصُوصِ وَبِالْعُمُومِ.

يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي ثَبَتَ جَوَازُهُ بِسُنَّةٍ أَو إجْمَاعٍ: صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللهِ، وَقَد لَا يَكُونُ فِي كِتَابِ اللهِ بِخُصُوصِهِ، لَكِنْ فِي كِتَابِ اللهِ الْأَمْرُ بِاتَّبَاعِ السُّنَّةِ وَاتَّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَكُونُ فِي كِتَابِ اللهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.

يَبْقَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ: فَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللهِ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ عُمُومًا، فَشَرْطُ الْوَلَاءِ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ.

فَيُقَالُ: الْعُمُومُ إنَّمَا يَكُونُ دَالًّا إذَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ؛ فَإِنَّ الْخَاصَّ يُفَسِّرُ الْعَامَّ، وَهَذَا الْمَشْرُوطُ قَد نَفَاهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِنَهْيِهِ عَن بَيْعِ الْوَلَاءِ، وَعَن هِبَتِهِ،


= يعني: أن الشرط الذي شرطوه غير مانع لك من ولائها؛ فإن الولاء إنما هو لمن أعتق.
والمراد بالولاء هنا: ولاء العتاقة، وهو ميراثٌ يستحقه المرء بسبب عتق شخص في ملكه.
فالحديث دليل على أنه لا يجوز بيع الولاء ولا هبته.
(١) رواه البخاري (٢١٦٨)، ومسلم (١٥٠٤)، واللفظ له.

<<  <  ج: ص:  >  >>