للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فِي تَارِيخِهِ عَلَى الْفَوْرِ، وَهُوَ بَيْنَهُمَا بَيْعُ أَمَانَةٍ فِي الْبَاطِنِ، هَل يَصِحُّ هَذَا الْعَقْدُ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ؟

فَأَجَابَ: إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مِن الْآخَرِ دَرَاهِمَ وَيَنْتَفِعُ الْمُعْطِي بِعَقَارِ الْآخَرِ مُدَّةَ مَقَامِ الدَّرَاهِمِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا أَعَادَ الدَّرَاهِمَ إلَيْهِ أَعَادَ إلَيْهِ الْعَقَارَ: فَهَذَا حَرَامٌ بِلَا رَيْبٍ، وَهَذَا دَرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَمَنْفَعَةِ الدَّارِ، وَهُوَ الرِّبَا الْبَيِّنُ.

وَقَد اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُقْرِضَ مَتَى اشْتَرَطَ زِيادَةً عَلَى قَرْضِهِ كَانَ ذَلِكَ حَرَامًا، وَكَذَلِكَ إذَا تَوَاطَآ عَلَى ذَلِكَ فِي أَصَحِّ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَد صَحَّ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك" (١)، حَرَّمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْجَمْعَ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقْرَضَهُ وَبَاعَهُ: حَابَاهُ فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْقَرْضِ، وَكَذَلِكَ إذَا آجَرَهُ وَبَاعَهُ.

وَمَا يُظْهِرُونَهُ مِن بَيْعِ الْأَمَانَةِ (٢) الَّذِي يَتَّفِقُونَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ إذَا جَاءَهُ بِالثَّمَنِ


(١) أبو داود (٣٥٠٤)، والترمذي (١٢٣٤)، والنسائي (٤٦١١)، وأحمد (٦٦٧١)، وابن ماجه (٢١٨٨).
(٢) هو البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري المبيع إليه.
ويسميه المالكية: "بيع الثنيا".
والشافعية: "بيع العهدة".
وبعضهم يسميه: "بيع الوفاء". وإنما سمي بذلك لأن المشتري يلزمه الوفاء بالشرط.
وقد ذهب المالكية والحنابلة والمتقدمون من الحنفية والشافعية إلى: أن بيع الوفاء فاسد، وهو الذي رجحه الشيخ؛ وذلك:
أ- لأن اشتراط البائع أخذ المبيع إذا رد الثمن إلى المشتري يخالف مقتض البيع وحكمه، وهو ملك المشتري للمبيع على سبيل الاستقرار والدوام، وفي هذا الشرط منفعة للبائع، ولم يرد دليل معين يدل على جوازه، فيكون شرطًا فاسدًا يفسد البيع باشتراطه فيه.
ب - ولأن البيع على هذا الوجه لا يقصد منه حقيقة البيع بشرط الوفاء، وإنما يقصد من ورائه الوصول إلى الربا المحرم، وهو إعطاء المال إلى أجل، ومنفعة المبيع هي الربح، والربا باطل في جميع حالاته. يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (٩/ ٤٨، ٦٣، ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>