وَهَذَا الَّذِي اسْتُوْفِيَتْ مَنْفَعَتُهُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي أَخْذِ مَنْفَعَتِهِ، وَأَخْذِ عِوَضِهَا جَمِيعًا مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ الْعِوَضُ خَمْرًا أَو مَيْتَةً، فَإِنَّ تِلْكَ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي فَوَاتِهَا، فَإِنَّهَا لَو كَانَت بَاقِيَةً لَأَتْلَفْنَاهَا عَلَيْهِ، وَمَنْفَعَةُ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ لَو لَمْ تَفُتْ، لَتَوَفَرَتْ عَلَيْهِ بحَيْثُ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِن صَرْفِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ فِي أَمْرٍ آخَرَ، أَعْنِي مَن صَرَفَ الْقُوَّةَ الًّتِي عَمِلَ بِهَا.
ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا، فَقَالَ: فَيُقَالُ عَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَقْضُوا بِهَا إِذَا طَالَبَ بِقَبْضِهَا.
وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ: قِيلَ: نَحْنُ لَا نَأْمُرُ بِدَفْعِهَا وَلَا بِرَدِّهَا كَعُقُودِ الْكُفَّارِ الْمُحَرَّمَةِ، فَإِنَّهُم إِذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُحْكَمْ بِالْقَبْضِ، وَلَو أَسْلَمُوا بَعْدَ الْقَبْضِ لَمْ يُحْكَمْ بِالرَّدِّ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا لِتَحْرِيمِهَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا طَلَبَ الْأُجْرَةَ، فَقُلْنَا لَهُ: أَنْتَ فَرَّطْتَ حَيْثُ صَرَفْتَ قُوَّتَكَ فِي عَمَلٍ يَحْرُمُ، فَلَا يُقْضَى لَكَ بِالْأُجْرَةِ. فَإِذَا قَبَضَهَا، وَقَالَ الدَّافِعُ هَذَا الْمَالَ: اقْضُوا لِي بِرَدِّهِ، فَإِنِّي أَقَبَضْتُهُ إِيَّاهُ عِوَضًا عَن مَنْفَعَةٍ مُحَرَّمَةٍ، قُلْنَا لَهُ: دَفَعْتَهُ مُعَاوَضةً رَضِيتَ بِهَا، فَإِذَا طَلَبْتَ اسْتِرْجَاعَ مَا أخَذَ، فَارْدُدْ إِلَيْهِ مَا أَخَذْتَ إِذَا كَانَ لَهُ فِي بَقَائِهِ مَعَهُ مَنْفَعَةٌ، فَهَذَا مُحْتَمَلٌ. قَالَ: وَإِن كَانَ ظَاهِرُ الْقِيَاسِ رَدُّهَا، لِأَنَّهَا مَقْبُوضَةٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، انْتَهَى.
إلى أن قال ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: فَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِهَا لِيُرِيقَهَا، أَو لِيَنْقُلَ الْمَيْتَةَ إِلَى الصَّحْرَاءِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهَا، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَجُوزُ حِينَئذٍ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُبَاحٌ، لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْأُجْرَةُ جِلْدَ الْمَيْتَةِ لَمْ تَصِحَّ، وَاسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَإِن كَانَ قَد سَلَخَ الْجِلْدَ وَأَخَذَهُ، رَدَّهُ عَلَى صَاحِبِهِ، هَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا.
وَقَد نَصَّ أحمد فِي رِوَايَةِ أبي النضر، فِيمَن حَمَلَ خَمْرًا، أَو خِنْزِيرًا، أَو مَيْتَةً لِنَصْرَانِيٍّ: أَكْرَهُ أَكْلَ كِرَائِهِ، وَلَكِنْ يُقْضَى لِلْحَمَّالِ بِالْكِرَاءِ.
وَإِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَهُوَ أَشَدُّ كَرَاهَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute