للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي هَذَا النَّصِّ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ.

إِحْدَاهَا: إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.

قَالَ ابن أبي موسى: وَكَرِهَ أحمد أَنْ يُؤَجِّرَ الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ أَو خِنْزِيرٍ لِنَصْرَانِيٍّ.

فَإِنْ فَعَلَ: قُضِيَ لَهُ بِالْكِرَاءِ، وَهَل يَطِيبُ لَهُ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. أَوْجَهُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَطِيبُ لَهُ، وَيتَصَدَّقُ بِهِ.

إلى أن قال: قَالَ شَيْخُنَا: وَالْأَشْبَهُ طَرِيقَةُ ابن موسى - يَعْنِي: أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالْأُجْرَةِ وَإِن كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مُحَرَّمَةً - وَلَكِنْ لَا يَطِيبُ لَهُ أَكْلُهَا.

قَالَ: فَإِنَّهَا أَقْرَبُ إِلَى مَقْصُودِ أحمد، وَأَقْرَبُ إِلَى الْقِيَاسِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ عَاصِرَ الْخَمْرِ، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ. فَالْعَاصِرُ وَالْحَامِلُ قَد عَاوَضَا عَلَى مَنْفَعَةٍ تَسْتَحِقُّ عِوَضًا، وَهِيَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً فِي نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ بِقَصْدِ الْمُعْتَصِرِ وَالْمُسْتَحْمِلِ، فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ عِنَبًا وَعَصِيرًا لِمَن يَتَّخِذُهُ خَمْرًا، وَفَاتَ الْعَصِيرُ وَالْخَمْرُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ مَالَ الْبَائِعِ لَا يَذْهَبُ مَجَّانًا؛ بَل يُقْضَى لَهُ بِعِوَضِهِ. كَذَلِكَ هُنَا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي وَفَّاهَا الْمُؤَجِّرُ، لَا تَذْهَبُ مَجَّانًا؛ بَل يُعْطَى بَدَلَهَا، فَإِنَّ تَحْرِيمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا إِنَّمَا كَانَ مِن جِهَةِ الْمُسْتَأْجِرِ، لَا مِن جِهَةِ الْمُؤَجِّرِ، فَإِنَّهُ لَو حَمَلَهَا لِلْإرَاقَةِ، أَو لِإِخْرَاجِهَا إِلَى الصَّحْرَاءِ خَشْيَةَ التَّاذِّي بِهَا، جَازَ. ثُمَّ نَحْنُ نُحَرِّمُ الْأُجْرَةَ عَلَيْهِ لِحَقِّ اللهِ سُبْحَانَهُ لَا لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُشْتَرِي، بِخِلَافِ مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلزِّنَا أَوِ التَّلَوُّطِ أَوِ الْقَتْلِ أَوِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ نَفْسَ هَذَا الْعَمَلِ مُحَرَّمٌ لِأَجْلِ قَصْدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَهُوَ كَمَا لَو بَاعَ مَيْتَةً أَو خَمْرًا، فَإِنَّه لَا يُقْضَى لَهُ بِثَمَنِهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَ هَذِهِ الْعَيْنِ مُحَرَّمَةٌ، وَكَذَلِكَ لَا يُقْضَى لَهُ بِعِوَضِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ الْمُحَرَّمَةِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَمِثْل هَذِهِ الْإِجَارَةِ، وَالْجَعَالَةِ؛ يَعْنِي: الْإِجَارَةَ عَلَى حَمْلِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ، لَا تُوصَفُ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا، وَلَا بِالْفَسَادِ مُطْلَقًا؛ بَل يُقَالُ: هِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>