فَأَشْكَلَ عَلَيْهِم مِن جِهَتَيْنِ: مِن جِهَةِ أَنَّ الرَّسُولَ كَيْفَ يَأْمُرُ بِالشَّرْطِ الْبَاطِلِ؟
وَالثَّانِي: مِن جِهَةِ أَنَّ الشَرْطَ الْبَاطِلَ كَيْفَ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ.
وَقَد أَجَابَ طَائِفَةٌ بِجَوَابٍ ثَالِثٍ ذَكَرَهُ أَحْمَد وَغَيْرُهُ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا قَد عَلِمُوا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَأَقْدَمُوا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَكَانَ وُجُودُ اشْتِرَاطِهِمْ كَعَدَمِهِ، وَبَيَّنَ لِعَائِشَةَ أَنَّ اشْتِرَاطَك لَهُم الْوَلَاءَ لَا يَضُرُّك، فَلَيْسَ هُوَ أَمْرًا بِالشَّرْطِ، لَكِنْ إذْنًا لِلْمُشْتَرِي فِي اشْتِرَاطِهِ إذَا أَبَى الْبَائِعُ أَنْ يَبِيعَ إلَّا بِهِ، وَإِخْبَارًا لِلْمُشْتَرِي أَنَّ هَذَا لَا يَضُرُّهُ، وَيجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِثْل ذَلِكَ.
فَهُوَ إذْنٌ فِي الشِّرَاءِ مَعَ اشْتِرَاطِ الْبَائِعِ ذَلِكَ، وَإِذْنٌ فِي الدُّخُولِ مَعَهُم فِي اشْتِرَاطِهِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِي ذَلِكَ، وَنَفْسُ الْحَدِيثِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مِثْل هَذَا الشَّرْطِ الْفَاسِدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَد فِي أظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.
وَإِنَّمَا اسْتَشْكَلَ الْحَدِيثَ مَن ظَنَّ أَنَّ الشَّرْطَ الْفَاسِدَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ يَعْلَمُ أَنَّهُ شَرْطٌ مُحَرَّمٌ لَا يَحِل اشْتِرَاطُهُ فَوُجُودُ اشْتِرَاطِهِ كَعَدَمِهِ؛ مِثْل هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَيَصِحُّ اشْتِرَاءُ الْمُشْتَرِي وَيمْلِكُ الْمُشْتَرِي، وَيلْغُو هَذَا الشَّرْط الَّذِي قَد عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُشْتَرِطُ لِمِثْل هَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ ظَانًّا أَنَّهُ شَرْطٌ لَازِمٌ: فَهَذَا لَا يَكُونُ الْبَيْعُ فِي حَقِّهِ لَازِمًا وَلَا يَكُونُ أَيْضًا بَاطِلًا، وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَد؛ بَل لَهُ الْفَسْخُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا رَضِيَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَمُلكهُ لَهُ إنْ شَاءَ، وَإِن شَاءَ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ أَنْفَذَهُ، كَمَا لَو ظَهَرَ بِالْمَبِيعِ عَيْبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute