وَكَذَلِكَ إذَا كَانَت الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَكْثَرَ مِن الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ بِقِدْرِ النُّحَاسِ: فَهَذَا يَجُوزُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَي الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا إذَا كَانَت الْفِضَّةُ الْمَغْشُوشَةُ أَكْثَرَ مِن الْمُفْرَدَةِ: فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ. [٢٩/ ٤٥١]
٣٦٤٣ - وَسُئِلَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: عَن بَيْعِ الأكاديس الْإِفْرِنْجِيَّةِ بِالدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ لَا يَقُومُ بِمُؤْنَةِ الضَّرْبِ؛ بَل فِضَّةُ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ أَكْثَرُ، هَل تَجُوزُ الْمُقَابَضَةُ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟
فَأجَابَ: هَذِهِ الْمُقَابَضَةُ تَجُوزُ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَالْجَوَازُ فِيهِ لَهُ مَأْخَذَانِ؛ بَل ثَلَاثَةٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّ هَذِهِ الْفِضَّةَ مَعَهَا نُحَاسٌ، وَتِلْكَ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ، وَالْفِضَّةُ الْمَقْرُونَةُ بِالنُّحَاسِ أَقَلُّ (١).
فَإِذَا بِيعَ مِائَةُ دِرْهَمٍ مِن هَذِهِ بِسَبْعِينَ مَثَلًا مِن الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ: فَالْفِضَّةُ الَّتِي فِي الْمِائَةِ أَقَلُّ مِن سَبْعِينَ، فَاِذَا جُعلَ زِيَادَة الْفِضَّةِ بِإِزَاءِ النُّحَاسِ جَازَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَي الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُجَوِّزونَ مَسْألَةَ "مُدِّ عَجْوَةٍ".
وَاَلَّذِينَ مَنَعُوا مِن مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ - وَهُوَ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ إذَا كَانَ مَعَهُمَا أَو مَعَ أَحَدِهِمَا مِن غَيْرِ جِنْسِهِ - قَد عَلَّلَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُم بِأَنَّ الصَّفْقَةَ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى عِوَضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ انْقَسَمَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ وَهَذِهِ عِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ كَوْنُ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّبَا، بِأَنْ يَبِيعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ، بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ، وَيجْعَلُ الْأَلْفَ الزَّائِدَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْكيسِ، كَمَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ مَن يُجَوِّزُهُ مِن أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَالصَّوَابُ فِي مِثْل هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بَيْعُ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ
(١) قال الشيخ في موضع آخر: وَإِذَا بِيعَتْ الْفِضَّةُ الْمَصْنُوعَةُ بِفِضةٍ أَكْثَرَ مِنْهَا لِأجْلِ الصِّنَاعَةِ لَمْ يَجُزْ. (٢٩/ ٤٦٤)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute