للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُتَفَاضِلَةٍ، فَمَتَى كَانَ الْمَقْصُودُ ذَلِكَ حَرُمَ التَّوَسُّلُ إلَيْهِ بِكُل طَرِيقٍ، فَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.

وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ مِقْدَارُ الرِّبَوِيِّ؛ بَل يُخْرَصُ خَرْصًا؛ مِثْلُ الْقِلَادَةِ الَّتِي بِيعَتْ يَوْمَ حنين وَفِيهَا خَرَزٌ مُعَلَّق بِذَهَبِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "لَا تُبَاعُ حَتَّى تَفْصِلَ" (١)، فَإِنَّ تِلْكَ الْقِلَادَةَ لَمَّا فُصِلَتْ كَانَ ذَهَبُ الْخَرَزِ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ الذَّهَبِ الْمُفْرَدِ، فَنَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَن بَيْعِ هَذَا بِهَذَا حَتَّى تُفْصَلَ؛ لِأَنَّ الذَّهَبَ الْمُفْرَدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ مِن الذَّهَبِ الْمَقْرُونِ فَيَكُونُ قَد بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبٍ مِثْلِهِ وَزيِادَةَ خَرَزٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.

وَإِذَا عُلِمَ الْمأْخْذُ: فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ بَيْعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ مِثْلِهَا وَكَانَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِن الْمَخْلُوطِ كَمَا فِي الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ؛ بِحَيْثُ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَلْطِ: لَمْ يَكُن فِي هَذَا مِن مَفْسَدَةِ الرِّبَا شَيْءٌ؛ إذ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَيْعَ دَرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا، وَلَا هُوَ بِمَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ التَّفَاوُتُ.

الْمَأْخَذُ الثَّانِي: مَأْخَذُ مَن يَقُولُ: يَجُوزُ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِالرِّبَوِيِّ عَلَى سَبِيلِ التَّحَرِّي وَالْخَرْصِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ إذَا تَعَذَّرَ الْكَيْلُ أَو الْوَزْنُ، كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَافِعِيُّ وَأَحْمَد فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا كَمَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ خَرْصًا لِأَجْلِ الْحَاجَةِ.

وَيجُوز ذَلِكَ فِي كُل الثِّمَارِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ.

وَإِذَا كَانَت السُّنَّةُ قَد مَضَتْ بِإِقَامَةِ التَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ مَقَامَ الْعِلْمِ بِالْكَيْلِ أَو الْوَزْنِ عِنْدَ الْحَاجَةِ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى بَيْعِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ بِهَذِهِ الْخَالِصَةِ، وَقَد عَرَفُوا مِقْدَارَ مَا فِيهَا مِن الْفِضَّةِ بِأَخْبَارِ أَهْلِ الضَّرْبِ وَأَخْبَارِ الصَّيَارِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَن سَبَكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، وَعَرَفَ قَدْرَ مَا فِيهَا مِن الْفِضَّةِ، فَلَمْ


(١) رواه مسلم (١٥٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>