للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ الثَّمَنَ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالنَّقِيعِ - وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ: هُوَ سُوقُ الْمَدِينَةِ. وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ هُوَ مَقْبَرَتُهَا - قَالَ: - كُنَّا نبِيعُ بِالذَّهَبِ وَنَقْضِي الْوَرِقَ، وَنَبِيعُ بِالْوَرِقِ وَنَقْضِي الذَّهَبَ، فَسَأَلْت النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَن ذَلِكَ فَقَالَ: "لَا بَأْسَ إذَا كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ إذَا تَفَرَّقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنكُمَا شَيْءٌ" (١).

فَقَد جَوَّزَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يعتاضوا عَن الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ بِغَيْرِهِ، مَعَ أَنَّ الثَّمَنَ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُشْتَرِي، لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ الَّذِي هُوَ دَيْنُ السَّلَمِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَإِن كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الْبَائِعِ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي.

وَالنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إنَّمَا جَوَّزَ الِاعْتِيَاضَ عَنْهُ إذَا كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَن.

وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد: أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ مِمَن هُوَ عَلَيْهِ (٢)؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ مَقْبُوضٌ لِلْمَدِينِ.

لَكِنْ إنْ بَاعَهُ بِمَا لَا يُبَاعُ بِهِ نَسِيئَةً اشْتَرَطَ فِيهِ الْحُلُولَ وَالْقَبْضَ لِئَلَّا يَكُونَ رِبًا (٣).


(١) قال الشيخ في موضع آخر: فَيَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ بِالشعْرِ لِئَلَّا يَرْبَحَ فِيمَا لَمْ يَضْمَنْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَدَيْنُ السَّلَمِ يَتْبَعُ ذَلِكَ فَنُهِيَ عَن بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ.
قِيلَ: النَّهْيُ إنَّمَا كَانَ فِي الْأَعْيَانِ لَا فِي الدُّيُونِ. (٢٩/ ٥١٩)
(٢) بثمن حال.
(٣) ويُشترط كما تقدم: أن يكون بسعر يومه.
وهذا هو اختيار العلَّامة ابن عثيمين رَحِمَهُ اللهُ وقال: مثاله -أي: مثال التقابض قبل التفرق-: أن يكون لي في ذمة رجل دنانير فبعتها عليه بدراهم، وبيع الدنانير بالدراهم يشترط فيه القبض ولا يشترط التساوي للحديث: "إذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدًا بيد"، فيعطيني الدراهم فقط، وليس بلازم أن يحضر الدنانير، فالدنانير عنده في ذمته قد قبضها.
ومثال كونها بسعر يومها: إذا قدرنا أن عشرة دنانير قيمتها في السوق مائة درهم فأبيعها عليه بمائة درهم لا أزيد ولا أنقص.

<<  <  ج: ص:  >  >>