للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَمَّا إذَا جَاءَ جَيْشٌ عَامٌّ فَأَفْسَدَ الزَّرْعَ فَهَذِهِ آفَةٌ سَمَاوَّيةٌ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ تَضْمِينُهُ وَلَا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ.

وَنَظِيرُهُ: أَنْ يَجِيءَ جَيْشٌ عَامٌّ فَيُخْرِجَ النَّاسَ مِن مَسَاكِنِهِمْ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا. [٣٠/ ٢٥٩ - ٢٦٣]

٣٨٨٤ - فَصْلٌ (١): فِي وَضْعِ الْجَوَائِحِ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَالْمُؤَاجَرَاتِ مِمَّا تَمَسُّ الْحَاجَة إلَيْهِ، وَذَلِكَ دَاخِلٌ فِي قَاعِدَةِ: "تَلَفِ الْمَقْصُودِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ".

قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٩].

وَمِن أَكْلِ أَمْوَال النَّاسِ بِالْبَاطِلِ: أَخذُ أَحَد الْعِوَضَيْنِ بِدُونِ تَسْلِيمِ الْعِوَضِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْعُهُودِ وَالْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ هُوَ التَّقَابُضُ، فَكُلٌّ مِن الْعَاقِدَيْنِ يَطْلُبُ مِن الْآخَرِ تَسْلِيمَ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ؛ وَلهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} [النساء: ١]؛ أَيْ: تَتَعَاهَدُونَ وَتَتَعَاقَدُونَ، وَهَذَا هُوَ مُوجَبُ الْعُقُودِ وَمُقْتَضَاهَا؛ لِأَنَّ كُلُّا مِن الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعَقْدِ مَا طَلَبَهُ الْآخَرُ وَسَأَلَهُ مِنْهُ.

وَلِهَذَا نُهِيَ عَن بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ وَإِيجَابٌ عَلَى النُّفُوسِ بِلَا حُصُولِ مَقْصُودٍ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَلَا لَهُمَا.


= وَلَو حَالَ بَيْنَ الْمُسْتَأجِرِ وَبَيْنَ المنفعة حَائِلٌ يَخُصُّهُ مِثْل مَرَضِهِ وَنَحْوَهُ: لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْأُجْرَةُ، بخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ يُسْقِطُ أُجْرَةَ مَا ذَهَبَ بِهِ مِن الْمَنْفَعَةِ. يُنظر (٣٠/ ٢٨٢).
(١) أَسهب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في تقرير هذه القاعدة، وهي: إذا تَلف الْمَقْصُودُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ بَطَلَ العَقْدُ إنْ كَانَ التَّلَفُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمْكِنُ ضَمَانُهُ، وَإِن كَانَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ فِيهِ الضَّمَانُ: فَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ لِأجْلِ تَلَفِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِن قَبْضِهِ، وَلَهُ الْإِمْضَاءُ لِإِمْكَانِ مُطَالَبَةِ الْمُتْلِفِ.
وأفرد لها هذا البحث الطويل، الذي يقع في أربعين صفحةً. (٣٠/ ٢٦٣ - ٣٠٣)، وقد مرّ مضمون ما فيها، وسأقتصر على أهمها.

<<  <  ج: ص:  >  >>