للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم الذين اعتقدوا أن هذه المسابقة بلا محلل قمارٌ تنازعوا بعد ذلك:

- فمنهم من لم يجوِّز العوض بحال.

- ومنهم من جوزه من أحدهما بشرط ألا يرجع إليه بل يعطيه الجماعة إن غلب، وروي ذلك عن مالك وغيره، وهو أصح.

والقياس: لو كانت المسابقة من الطرفين قمارًا محرمًا فإنهم رأوا أن هذه ليست جعالةً يَقْصِد الجاعلُ فيها بدل (١) الجعل في عمل ينتفع به، إنما قصد أن يغلب صاحبه فحرموها، وقالوا: دخول المحلل فيها يزيدها شرًّا، وأن المقامرة حرمت لما فيها من أكل المال بالباطل، والمحلل يزيدها شرًّا؛ فإن المتسابقين إذا غلب أحدهما صاحبه فأخذ ماله كان هذا في مقابلة أن الآخر إذا غلبه أخذ ماله، فكان مبناها على العدل، بخلاف المحلل فإنه ظلم محض؛ فإنه بعرضة (٢) أن يغنم أو يسلم، والآخران قد يغرمان، فلا يستوون في المغنم والمغرم والسلامة؛ بخلاف إذا لم يكن بينهما محلل، فكلاهما قد يغنم وقد يغرم وقد يسلم فيما إذا تساويا وجاءا معًا.

فهذا أقرب إلى العدل، فإذا حرم الأقرب إلى العدل فلأن يحرم الأبعد عنه بطريق الأولى.

فمن تدبر هذه الأمور: علم أن الشريعة منزهة عن مثل هذا: أنْ تحرم الشر لمجرد مفسدة قليلة وتبيحها بالمفسدة عينها إذا كثرت، ولكن أصحاب الحيل كثيرًا ما يقعون في هذا، فيحرمون على الرجل بعض أنواع الزيادة؛ دفعًا لأكل المال بالباطل لئلا يتضرر، ويفتحون له حيلة يُؤكل فيها ماله بالباطل أكثر، ويكون فيها ظلمه وضرره أعظم.

ومن العلماء من أباح السبق بالمحلل؛ كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد وإحدى الروايتين عن مالك.


(١) لعل الصواب: (بذل) بالذال المعجمة، ليستقيم المعنى.
(٢) لعل الصواب: (عرضةٌ).

<<  <  ج: ص:  >  >>