للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَعَلَّ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بِالْمَيْسِرِ إنَّمَا هُوَ الِانْشِرَاحُ بِالْمُلَاعَبَةِ وَالْمُغَالَبَةِ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَوَّلَ لِأَكْثَرِ النَّاسِ بِالْخَمْرِ إنَّمَا هُوَ مَا فِيهَا مِن لَذَّةِ الشُّرْبِ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْعِوَضُ فِيهَا لِأَنَّهُ أَخْذُ مَالٍ بِلَا مَنْفَعَةٍ فِيهِ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، كَمَا حُرِّمَ ثَمَنُ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ.

فَكَيْفَ تُجْعَلُ الْمَفْسَدَةُ الْمَالِيَّةُ هِيَ حِكْمَةَ النَّهْيِ فَقَطْ وَهِيَ تَابِعَةٌ، وَتُتْرَكُ الْمَفْسَدَةُ الْأَصْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ فَسَادُ الْعَقْلِ وَالْقَلْبِ؟

وَالْمَالُ مَادَّةُ الْبَدَنِ، وَالْبَدَنُ تَاجُ الْقَلْبِ، وَ [قد] (١) قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَا إنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ بِهَا سَائِرُ الْجَسَدِ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ بِهَا سَائِرُ الْجَسَدِ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ" (٢).

وَالْقَلْبُ هُوَ مَحَلُّ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَحَقِيقَةُ الصَّلَاةِ، فَأَعْظَمُ الْفَسَادِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ: إفْسَادُ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ مِلْكُ الْبَدَنِ أَنْ يُصَدَّ عَمَّا خُلِقَ لَهُ مِن ذِكْرِ اللهِ وَالصَّلَاةِ، وَيَدْخُلَ فِيمَا يُفْسِدُ مِن التَّعَادِي وَالتَّبَاَغُضِ.

وَالصَّلَاةُ حَقُّ الْحَقِّ، وَالتَّحَابُّ وَالْمُوَالَاةُ حَقُّ الْخَلْقِ، وَأَيْنَ هَذَا مِن أَكْلِ مَالٍ بِالْبَاطِلِ؟

وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْبَدَنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَالِ، وَمَصْلَحَةَ الْقَلْبِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَصْلَحَةِ الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَالِ لِأَنَّهُ مَادَّةُ الْبَدَنِ؛ وَلهَذَا قَدَّمَ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِم رُبْعَ الْعِبَادَاتِ عَلَى رُبْع الْمُعَامَلَاتِ، وَبِهِمَا تَمُّ مَصْلَحَةُ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، ثُمَّ ذَكَرُوا رُبْعَ الْمُنَاكَحَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الشَّخْصِ، وَهَذَا مَصْلَحَةُ النَّوْعِ الَّذِي يَبْقَى بِالنِّكَاحِ، ثُمَّ لَمَّا ذَكَرُوا الْمَصَالِحَ ذَكَرُوا مَا يَدْفَعُ الْمَفَاسِدَ فِي رُبْعِ الْجِنَايَاتِ.

والظُّلْمُ فِي الرّبَا وَأَكْل الْمَالِ بِالْبَاطِلِ بِهِ: أَبْيَنُ مِنْهُ فِي الْمَيْسِرِ؛ فَإِنَّ


(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، ولعل إضافته أنسب وألْيق بالسياق.
(٢) رواه البخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>