للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَكُلُّ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى مَعْنًى فِيهِ يُوجِبُ النَّهْيَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى عَن شَيْءٍ لَا لِمَعْنًى فِيهِ أَصْلًا بَل لِمَعْنًى أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ.

وَحِينَئِذٍ: فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُشْتَرَكٍ أَعْظَمُ (١)؛ وَلِهَذَا لَو قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ اللهِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِحَقِّ الْمَالِكِ.

وَلَو زَنَى لَأَفْسَدَ إحْرَامَهُ كَمَا يَفْسُدُ بِنِكَاحِ امْرَأَتِهِ، وَيَسْتَحِقُّ حَدَّ الزنى مَعَ ذَلِكَ.

وَعَلَى هَذَا: فَمَن لَبِسَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَحْرُمُ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا؛ كَالثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا خُيَلَاءُ وَفَخْرٌ؛ كَالْمُسْبِلَةِ وَالْحَرِيرِ: كَانَ أَحَقَّ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ مِن الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي "السُّنَنِ": "إنَّ اللهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ مُسْبلٍ" (٢).

وَالثَّوْبُ النَّجِسُ فِيهِ نِزَاعٌ وَفِي قَدْرِ النَّجَاسَةِ نِزَاعٌ، وَالصَّلَاةُ فِي الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ.

وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بَعْدَ النِّدَاءِ إذَا كَانَ قَد نُهِيَ عَنْهُ، وَغَيْرُهُ يَشْغَلُ عَن الْجُمُعَةِ: كَانَ ذَلِكَ أَوْكَدَ فِي النَّهْيِ، وَكُلُّ مَا شَغَلَ عَنْهَا فَهُوَ شَرٌّ وَفَسَادٌ لَا خَيْرَ فِيهِ.

وَالْمِلْكُ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ كَالْمِلْكِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ إلَّا بِمَعْصِيَةِ اللهِ وَغَضَبِهِ وَمُخَالَفَتِهِ.

وَإِذَا حَصَلَ الْبَيْعُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَعَذَّرَ الرَّدُّ: فَلَهُ نَظِيرُ ثَمَنِهِ الَّذِي أَدَّاهُ، وَيتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ، وَالْبَائِعُ لَهُ نَظِيرُ سِلْعَتِهِ وَيتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ إنْ كَانَ قَد رَبِحَ، وَلَو تَرَاضَيَا بِذَلِكَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لَمْ يَنْفَعْ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ هُنَا لِحَقِّ اللهِ تَعَالَى، فَهُوَ كَمَا لَو تَرَاضَيَا بِمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَهُنَاكَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، لَا يُعْطَى لِلزَّانِي (٣). [٢٩/ ٢٨٢ - ٢٩٢]


(١) أي: ليس خاصًّا بحالة دون حالة، ولا وقت دون وقت، فالزنى محرم مطلقًا، فلو زنى المحرم للحج أو العمرة لفسد إحرامه كَمَا يَفْسُدُ بِنِكَاحِ امْرَأَتِهِ.
(٢) رواه أبو داود (٦٣٨).
(٣) خلاصة هذا المبحث: أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ردّ على من فرّق بين ما نهي عنه لذاته، وما نهي عنه لغيره.=

<<  <  ج: ص:  >  >>