للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا بَيِّن فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ مِن وَجْهَيْنِ (١):

أَحَدُهُمَا: أَنَّ بَذْلَ الْمَالِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِمَنْفَعَةٍ فِي الدِّينِ أَو الدُّنْيَا، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

وَقَد نَهَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَن إضَاعَةِ الْمَالِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- "أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَن قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ، وَإِضاعَةِ الْمَالِ" (٢).

إذَا عُرِفَ هَذَا: فَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَنْتَفِعُ بِوَقْفِهِ فِي الدُّنْيَا كمَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَبْذلُهُ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنكَاحِ، وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي الدِّينِ إنْ لَمْ يُنْفِقْهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَسَبِيلُ اللهِ: طَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ.

فَإِنَّ اللهَ إنَّمَا يُثِيبُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَنْفَقُوهُ فِيمَا يُحِبُّهُ، وَأَمَّا مَا لَا يُحِبُّهُ فَلَا ثَوَابَ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِ.

وَنَفَقَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَاجِبَةٌ؛ فَلِهَذَا كَانَ الثَّوَابُ عَلَيْهَا أَعْظَمَ مِن الثَّوَابِ عَلَى التَّطَوُّعَاتِ عَلَى الْأَجَانِبِ.

٤١١٧ - الْأَعْمَالُ الْمَشْرُوطَة فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مِثْل الْوَقْفِ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِن الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَو بِالْعِبَادَاتِ أَو بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: عَمَلٌ يُتَقَرَّبُ (٣) بِهِ إلَى اللهِ تَعَالَى وَهُوَ الْوَاجِبَاتُ والمستحبات الَّتِي رَغّبَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا وَحَضَّ عَلَى تَحْصِيلِهَا: فَمِثْلُ هَذَا الشَّرْطِ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَيَقِفُ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ عَلَى حُصُولِهِ فِي الْجُمْلَةِ.


(١) الوجه الأول يُغني عن الْوَجْه الثَّاني.
(٢) رواه البخاري (١٤٧٧)، ومسلم (٥٩٣).
(٣) في الأصل: (يَقْتَرِبُ)، ولعل الصواب المثبت، وهذا الكلام مكرر في موضع آخر، باللفظ المثبت. (٣١/ ٥٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>