وَقَد تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الْجَدَّاتِ:
فَقِيلَ: لَا يَرِثُ الِاثْنَتَانِ: أُمُّ الْأمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ كقَوْلِ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقِيلَ: لَا يَرِثُ إلَّا ثَلَاثٌ هَاتَانِ وَأُمُّ الْجَدِّ.
وَقِيلَ: بَل يَرِثُ جِنْسَ الْجَدَّاتِ الْمُدْلِيَاتِ بِوَارِث، وَهُوَ قَوْلُ الْأكْثَرِينَ؛ كَأبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ وَجْهٌ فِي مَذْهَبِ اُّحْمَد، وَهَذَا الْقَوْلُ أرْجَحُ (١).
يُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَن أُمَّ أمِّ الْمَيِّتِ وَأمَّ أَبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ أُمُّ أُمِّ أَبِيهِ، وَأمُّ أبِي أبِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَبِيهِ سَوَاءٌ، فَوَجَبَ اشْتِرَاكُهُمَا فِي الْمِيرَاثِ.
وَأيْضًا: فَهَؤُلَاءِ جَعَلُوا أُمَّ أُمِّ الْأُمِّ وَإِن زَادَتْ أمُومَتُهَا تَرِثُ، وَأُمّ أَبِي الأبِ لَا تَرِثُ!
وَرَجَّحُوا الْجَدَّةَ مِن جِهَةِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدَّةِ مِن جهَةِ الْأبِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ، فَلَمْ تَكُنْ أُمُّ الْأُمِّ أَوْلَى بهِ مِن أُمِّ الْأبِ، وَأَقَارِبُ الْأُمِّ لَمْ يُقَدَّمُوا فِي شَيءٍ مِن الْأحْكَامِ؛ بَل أقَارِبُ الْأبِ أَوْلَى فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، فَكَذَلِكَ فِي الْحَضَانَةِ.
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِابْنِهَا -أي: الْأب- كَمَا هُوَ أظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَن أحْمَد؛ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَلِأَنَّهَا وَلَو أَدْلَتْ بِهِ فَهِيَ لَا تَرِثُ مِيرَاثَهُ؛ بَل هِيَ مَعَهُ كَوَلَدِ الْأمِّ مَعَ الْأمِّ لَمْ يَسْقُطُوا بِهَا.
وَقَوْلُ مَن قَالَ: مَن أَدْلَى بِشَخْص سَقَطَ بِهِ بَاطِل طَرْدًا وَعَكْسًا. بَاطِلٌ طَرْدًا: بِوَلَدِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ.
وَعَكْسًا: بِوَلَدِ الِابْنِ مَعَ عَمِّهِمْ، وَوَلَدِ الْأَخِ مَعَ عَمِّهِمْ، وَأمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ سُقُوطُ شَخْصٍ بِمَن لَمْ يَدْلُ بِهِ.
(١) وهو الذي رجحه العلَّامة ابن عثيمين - رحمه الله -. تسهيل الفرائض (٤٧).