لَكِنْ إن اعْتَقَدَ هَذَا نِكَاحًا جَائِزًا كَانَ الْوَطْءُ فِيهِ وَطْءَ شُبْهَةٍ يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهِ وَيَرِثُ أَبَاهُ. [٣٢/ ١٠٢ - ١٠٣]
فَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ عَلَى النِّكَاحِ السِّرِّ، فَإِنَّ نِكَاحَ السِّرِّ مِن جِنْسِ اتِّخَاذِ الْأَخْدَانِ شَبِيهٌ بهِ، لَا سِيَّمَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَكَتَمَا ذَلِكَ، فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي يَتَّخِذُ صَدِيقَةً، لَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ يَتَمَيَّزُ بِهِ عَن هَذَا، فَلَا يَشَاءُ مَن يَزْنِي بِامَرَأةٍ صَدِيقَةٍ لَهُ إلَّا قَالَ: تَزَوَّجْتهَا، وَلَا يَشَاءُ أَحَدٌ أَنْ يَقُولَ لِمَن تَزَوَّجَ فِي السِّرّ: إنَّهُ يَزْنِي بِهَا إلَّا قَالَ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَرْقٌ مُبِينٌ.
فَإِذَا ظَهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ قَد أَحْصَنَهَا: تَمَيَّزَتْ عَن الْمُسَافِحَاتِ وَالْمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانًا. كَمَا أَنَّهُ إذَا كَتَمَ نِكَاحَهَا فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَحَدٌ لَمْ تَتَمَيَّزْ مِن الْمُتَّخِذَاتِ أَخْدَانًا.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ هَذَا عَن هَذَا:
فَقِيلَ: الْوَاجِبُ الْإِعْلَانُ فَقَطْ، سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَو لَمْ يُشْهِدْ كَقَوْلِ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِن فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ.
وَقِيلَ: الْوَاجِبُ الْإِشْهَادُ، سَوَاء أَعْلَنَ أَو لَمْ يُعْلِنْ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٍ عَن أَحْمَد.
وَقِيلَ: يَجِبُ الأمْرَانِ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَن أَحْمَد.
وَقِيلَ: يَجِبُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الرِّوَايَةُ الرَّابِعَةُ عَن أَحْمَد.
وَاشْتِرَاطُ الْإِشْهَادِ وَحْدَهُ ضَعِيفٌ، لَيْسَ لَهُ أَصْل فِي الْكِتَابِ وَلَا فِي السُّنَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهِ حَدِيثٌ.
وَمِن الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي يَفْعَلُهُ الْمُسْلِمُونَ دَائِمًا لَهُ شُرُوطٌ لَمْ يُبَيِّنْهَا رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَهَذَا مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى (١)، فَجَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ يَحْتَاجُونَ إلَى مَعْرِفَةِ هَذَا.
(١) وهكذا يُقال في كل حكم شرعي لم يثبت تخصيصه وتقييده، كأحكام الحيض والسفر ونحوها، =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute