للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَإِذَا كَانَ هَذَا شَرْطًا: كَانَ ذِكْرُهُ أَوْلَى مِن ذِكْرِ الْمَهْرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ يَكُن لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا حَدِيثٍ ثَابِتٍ عَن رَسُولِ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

فَتَبيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا أوْجَبَهُ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مَنَاكِحِهِمْ.

قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِن أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ: لَمْ يَثْبُتْ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النكَاحِ شَيْءٌ.

ثُمَّ مِن الْعَجَب أَنَّ اللّهَ أمَرَ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فِي النِّكَاحِ، ثُمَّ يَأْمُرُونَ بِهِ فِي النِّكَاحِ وَلَا يُوجِبُهُ أَكْثَرُهُم فِي الرَّجْعَةِ!

وَاللّهُ أَمَرَ بِالْإِشْهَادِ فِي الرَّجْعَةِ؛ لِئَلَّا يُنْكِرَ الزَّوْجُ وَيَدُوم مَعَ امْرَأَتِهِ، فَيُفْضِي إلَى إقَامَتِهِ مَعَهَا حَرَامًا، وَلَمْ يَأمُرْ بِالْإِشْهَادِ عَلَى طَلَاقٍ لَا رَجْعَةَ مَعَهُ لِأنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَرِّحُهَا بِإِحْسَانٍ عقيب الْعِدَّةِ فَيَظْهَرُ الطَّلَاقُ.

وَلهَذَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ مِمَّا يَعِيبُ بِهِ اهْلَ الرَّأيِ: أَمَرَ اللّه بِالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ دُونَ النكَاحِ، وَهُم أَمَرُوا بِهِ فِي النكَاحِ دُونَ الْبَيْعِ!

وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَالْإِشْهَادُ فِي الْبَيْعِ إمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ، وَقَد دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ.

وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلَمْ يَرِد الشَّرْعُ فِيهِ بِإِشْهَاد وَاجِبٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ أُمِرَ فِيهِ بِالْإِعْلَانِ، فَأَعْنَى إعْلَانُهُ مَعَ دَوَامِهِ عَن الْإِشْهَادِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ تَكونُ عِنْدَ الرَّجُلِ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ، فَكَانَ هَذَا الْإِظْهَارُ الدَّائِمُ مُغْنِيًا عَن الْإِشْهَادِ كَالنَّسَبِ، فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشْهِدَ فِيهِ أَحَدًا عَلَى وِلَادَةِ امْرَأَتِهِ؛ بَل هَذَا يَظْهَرُ وَيُعْرفُ أَنَّ امْرَأَتَه وَلَدَتْ هَذَا فَأَغْنَى هَذَا عَن الْإِشْهَادِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ؛ فَإِنَّهُ قَد يجْحَدُ وَيَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ.


= وهي مما تعم بها البلوى، فكيف يكون لها شروط -عدا ما جاء به النص الصحيح الصريح- ولم يُبَيِّنْهَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟

<<  <  ج: ص:  >  >>