للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَيْنَ نَظَرِهِ إلَى ابْنِهِ وَابْنِ جَارِهِ وَصَبِيٍّ أَجْنَبِيٍّ، لَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ شَيءٌ مِن الشَّهْوَةِ؛ لِأنَّهُ لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ، وَهُوَ سَلِيمُ الْقَلْبِ مِن قَبْلِ ذَلِكَ، وَقَد كَانَتِ الْإِمَاءُ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ يَمْشِينَ فِي الطُّرُقَاتِ مُنْكْشِفَاتِ الرُّؤُوسَ وَيَخْدِمْنَ الرِّجَالَ مَعَ سَلَامَةِ الْقُلُوبِ، فَلَو أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِمَاءَ التُّرْكِيَّاتِ الْحِسَانَ يَمْشِينَ بَيْنَ النَّاسِ فِي مِثْل هَذِهِ الْبِلَادِ وَالْأوْقَاتِ كَمَا كَانَ أُولَئِكَ الْإِمَاءُ يَمْشِينَ كَانَ هَذَا مِن بَابِ الْفَسَادِ.

وَكَذَلِكَ المردان الْحِسَانُ، لَا يَصْلُحُ أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْأَمْكِنَةِ وَالأزِقَّةِ الَّتِي يُخَافُ فِيهَا الْفِتْنَةُ بِهِم إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَلَا يُمَكَّنُ الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ مِن التَّبَرُّجِ، وَلَا مِن الْجُلُوسِ فِي الْحَمَّامِ بَيْنَ الْأجَانِبِ، وَلَا مِن رَقْصِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ فِتْنَةٌ لِلنَّاسِ وَالنَظَرُ إلَيْهِ كَذَلِكَ.

وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي:

الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِن النَّظَرِ: وَهُوَ النَّظَرُ إلَيْهِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ؛ لَكنْ مَعَ خَوْفِ ثَوَرَانِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

والثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأصْلَ عَدَمُ ثَوَرَانِهَا؛ فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ بَل قَد يُكْرَهُ.

وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، كَمَا أَنَ الرَّاجِحُ فِي مَذهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنْ النَّظَرَ إلَى وَجْهِ الْأجْنَبِيَّةِ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ لَا يَجُوزُ وَإِن كَانَت الشَّهْوَةُ مُنْتَفِيَةً؛ لَكِنْ لِأَنَّهُ يَخَافُ ثَوَرَانَهَا؛ وَلهَذَا حَرُمَ الْخَلْوَة بِالأجْنَبِيَّةِ؛ لِأنَّهُ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ.

وَالْأَصْلُ: أَن كُلَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِلْفِتنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَلهَذَا كَانَ النَّظَرُ الَّذِي قَد يُفْضِي إلَى الْفِتْنَةِ مُحَرَّمّا إلَّا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ رَاجِحَةٍ؛ مِثْل نَظَرِ الْخَاطِبِ وَالطَّبِيبِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ لِلْحَاجَةِ مَعَ عَدَمِ الشَّهْوَةِ.

وَأَمَّا النَّظَرُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى مَحَلّ الْفِتْنَةِ فَلَا يَجُوزُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>