بَعْدَ الطَّلَاقِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، وَهَذَا يَدْخُلُ فِي الْفِدْيَةِ خُصُوصًا وَغَيْرِهَا عُمُومًا، فَلَو كَانَت الْفِدْيَةُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا، وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ هُوَ وَمَن تَقَدَّمَ اتبعُوا ابْنَ عَبَّاسٍ.
وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِن أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ صَحَّحَ مَا نُقِلَ عَن الصَّحَابَةِ مِن أَنَّهُ طَلَاقٌ بَائِنٌ مَحْسُوبٌ مِن الثَّلَاثِ.
وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْمُخْتَلعَةِ: هَل عَلَيْهَا عِدَّةُ ثَلَاثَةِ قُرُوءٍ؛ أَو تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَة؛ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَدَ:
إحْدَاهُمَا: تُسْتَبْرأ بِحَيْضَة، وَهَذَا قَوْلُ عُثْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فِي آخِرِ رِوَايَتَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِن السَّلَفِ، وَمَذْهَبُ إسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمَا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي السُّنَنِ مِن وُجُوهٍ حَسَنَةٍ.
قَالُوا: وَلَو كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَمَا جَازَ فِي الْحَيْضِ؛ فَإِنَّ اللّهَ حَرَّمَ طَلَاقَ الْحَائِضِ، وَقَد سَلَّمَ لَنَا الْمُنَازِعُونَ أَو أَكْثَرُهُم أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحَيْضِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَة إلَيْهِ فِي الْحَيْضِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ: هَل مِن شَرْطِ كَوْنِهِ فَسْخًا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنيَّتِهِ؛ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَنيَّتِهِ، فَمَن خَالَعَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ أَو نَوَاهُ فَهُوَ مِن الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.
وَالثَّانِى: أَنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الطَّلَاقِ كَلَفْظِ الْخُلْعِ وَالْمُفَادَاةِ وَالْفَسْخِ فَهُوَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَو لَمْ يَنْوِ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ فَسْخ بِأَيِّ لَفْظٍ وَقَعَ، وَلَيْسَ مِن الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ.
وَأَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ لَمْ يَشْتَرِطُوا لَفْظًا مُعَيَّنًا وَلَا عَدَمَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ، وَفوَ الْمَنْقُولُ عَن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute