فَتَبَيَّنَ أَنَّ الاِعْتِبَارَ عِنْدَهُم بِبَذْلِ الْمَرْأَةِ الْعِوَضَ وَطَلَبِهَا الْفُرْقَةَ.
وَأَهْلُ الْيَمَنِ إلَى الْيَوْمِ تَقُولُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلّقْنِي، فَيَقُولُ لَهَا: اُبْذُلِي لِي، فَتَبْذُلُ لَهُ الصَّدَاقَ أَو غَيْرَهُ فَيُطَلّقُهَا، فَهَذَا عَامَّةُ طَلَاقِهِمْ.
وَقَد أَفْتَاهُم ابْنُ عَبَّاسٍ بِأَنَّ هَذَا فِدْيَةٌ وَفِرَان وَلَيْسَ بِطَلَاق، وَرَدَّ امْرَأَة عَلَى زَوْجِهَا بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ وَفِدَاءٍ مَرَّةً، فَهَذَا نَقْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفُتْيَاهُ وَاسْتِدْلَالُة بِالْقُرْآنِ بِمَا يُوَافِقُ هَذَا الْقَوْلَ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ مُقْتَضَى نُصُوصِ أَحْمَد وَأصُوله: فَهُوَ مُقْتَضَى أُصُولِ الشَّرْعِ وَنُصُوصِ الشَّارعِ؛ فَإِنَّ الاِعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَقَاصِدِهَا وَمَعَانِيهَا، لَا بِأَلْفَاظِهَا، فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُود بِاللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا لَمْ يَجُز اخْتِلَافُ حُكْمِهِمَا.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَجْعَل الشَّارعُ لَهُ لَفْطا مُعَيَّنًا؛ بَل إذَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِأَيِّ لَفْظٍ يَحْتَمِلُهُ وَقَعَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ وَعَامَّةِ الْعُلَمَاءِ (١)، لَمْ يُنَارعْ فِي ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشِّيعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ، وَلَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ عَن السَّلَفِ.
فَإِذَا قَالَ: فَارَقْتُك، أَو: سَرَّحْتُك، أَوْ: سَيَّبْتك، وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ: وَقَعَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْكِنَايَاتِ، فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ مَعَ الْعِوَضِ؛ مِثْل أَنْ تَقُولَ لَهُ: سَرّحْنِي، أَو: سَيِّبْنِي بِألْف، أَو: فَارِقْنِي بِأَلْف، أَو: خَلِّنِي بِأَلْفِ، فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ تَقُولَ: فادني بِأَلْف، أَو: اخْلَعْنِي بِألْف، أَو: افْسَخْ نِكَاحِي بِألْف؟!
وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ.
مَعَ أنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ وَالْفَسْخِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَنَوَى بِهِمَا الطَّلَاقَ: وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، فَهُمَا مِن أَلْفَاظِ الْكِنَايَةِ فِي الطَّلَاقِ، فَأيُّ فَرْقٍ فِي أَلْفَاظِ الْكِنَايَاتِ بَيْنَ لَفْظٍ وَلَفْظٍ؟!.
(١) أما إذا كَانَ اللَّفْظ صَرِيحًا فِي بَابٍ: لَمْ يَكُن كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ؛ كما لَو نَوَى بِلَفْظِ الظَّهَارِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute