وَالصَّحِيحُ: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِكَاحِ مُتْعَةٍ، وَلَا يَحْرُمُ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِلنِّكَاحِ وَرَاغِبٌ فِيهِ، بِخِلَافِ الْمُحَلّلِ، لَكِنْ لَا يُرِيدُ دَوَامَ الْمَرْأَةِ مَعَهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَرْط؛ فَإِنَّ دَوَامَ الْمَرْأَةِ مَعَهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ بَل لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَإِذَا قَصَدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُدَّة فَقَد قَصَدَ أَمْرًا جَائِزًا، بِخِلَافِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ مِثْلُ الْإِجَارَةِ، تَنْقَضِي فِيهِ بِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَلَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأجَلِ.
وَأَمَّا هَذَا فَمِلْكُهُ ثَابِتٌ مُطْلَقٌ، وَقَد تَتَغَيَّرُ نِيِّتُهُ فَيُمْسِكُهَا دَائِمًا، وَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَو تَزَوَّجَ بِنِيَّةِ إمْسَاكِهَا دَائِمًا ثُمَّ بَدَا لَهُ طَلَاقُهَا جَازَ ذَلِكَ.
وَلَو تَزَوَّجَهَا بِنِيَّةِ أَنَّهَا إذَا أَعْجَبَتْهُ امْسَكهَا وَإِلَّا فَارَقَهَا: جَازَ، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقْدِ.
وَقَد كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ كَثِيرَ الطَّلَاقِ، فَلَعَلَّ غَالِبَ مَن تَزَوَّجَهَا كَانَ فِي نِيَّتِهِ أنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ مُدَّةٍ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّ ذَلِكَ مُتْعَةٌ.
وَهَذَا أَيْضًا لَا يَنْوِي طَلَاقَهَا عِنْدَ أَجَلٍ مُسَمًّى؛ بَل عِنْدَ انْقِضَاءِ غَرَضِهِ مِنْهَا وَمِن الْبَلَدِ الَّذِي أَقَامَ بِهِ، وَلَو قُدِّرَ أَنَّهُ نَوَاهُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَقَد تَتَغَيَّرُ نِيَّتُهُ، فَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُوجِبُ تَأْجِيلَ النِّكَاحِ، وَجَعْلَهُ كَالْإِجَارَةِ الْمُسَمَّاةِ.
وَعَزْمُ الطَّلَاقِ لَو قُدِّرَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ: لَمْ تُبْطِلْهُ وَلَمْ يُكرَهْ مُقَامُهُ مَعَ الْمَرْأَةِ -وَإِن نَوَى طَلَاقَهَا- مِن غَيْرِ نِزَاعٍ نَعْلَمُهُ فِي ذَلِكَ.
وَالطَّلَاقُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَمْرٌ جَائِرٌ، لَا يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ الْمُحَلِّلِ، فَإِنَّة لَا رَغْبَةَ لَهُ فِي نِكَاحِهَا أَلْبَتَّةَ، بَل فِي كَوْنِهَا زَوْجَةَ الْأَوَّلِ، وَلَو أَمْكَنَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ تَحْلِيل لَمْ يُحِلَّهَا هَذَا.
وَإِن كَانَ مَقْصُودُهُ الْعِوَضَ: فَلَو حَصَلَ لَهُ بِدُونِ نِكَاحِهَا لَمْ يَتَزَوَّجْ.
وَإِن كَانَ مَقْصُودُهُ هُنَا وَطْأهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ: فَهَذَا مِن جِنْسِ الْبَغِيِّ الَّتِي يَقْصِدُ وَطْأهَا يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ، بِخِلَافِ الْمُتَزَوِّجِ الَّذِي يَقْصِدُ الْمُقَامَ، وَالْأَمْرُ بِيَدِهِ وَلَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا كَمَا شُرِطَ عَلَى الْمُحَلِّلِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute