للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

نَقَلَ أَهْلُ الْكُتُبِ الْمُعْتَدِّ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا؛ بَل رُوِيتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَة بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بَل مَوْضُوعَةٌ.

بَل الَّذِي فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" وَغَيْرِهِ مِن "السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ" عَن طَاوُوسٍ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِن خِلَافَةِ عُمَرَ: طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ: إنَّ النَّاسَ قَد اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَت لَهُم فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَو أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ (١).

وَقَد قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩)} [النساء: ٥٩] فَأمَرَ الْمُؤمِنِينَ عِنْدَ تَنَازُعِهِمْ بِرَدِّ مَا تَنَازَعُوا فِيهِ إلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ، فَمَا تَنَازَعَ فِيهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ.

وَلَيْسَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يُوجِبُ الْإِلْزَامَ بِالثَّلَاثِ بِمَن أَوْقَعَهَا جُمْلَةً بِكَلِمَة أَو كَلِمَاتٍ بِدُونِ رَجْعَةٍ أَو عُقْدَةٍ (٢)؛ بَل إنَّمَا فِي الْكتَابِ وَالسُّنَّةِ الإِلْزَامُ بِذَلِكَ مَن طَلَّقَ الطَّلَاقَ الَّذِي أَبَاحَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ الْقِيَاسُ وَالاِعْتِبَارُ بِسَائِرِ أُصُولِ الشَّرْعِ؛ فَإِنَّ كُلَّ عَقْدٍ يُبَاحُ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً -كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ- إذَا فُعِلَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرَّمِ لَمْ يَكُن لَازِمًا نَافِذًا كَمَا يَلْزَمُ الْحَلَالُ الَّذِي أَبَاحَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مُحَرَّم الْجِنْسِ؛ كَالظِّهَارِ وَالْقَذْفِ وَالْكَذِبِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُّ مَن فَعلَه الْعُقُوبَةَ بِمَا شَرَعَهُ اللّهُ مِن الْأحْكامِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَكونُ تَارَةً حَلَالًا وَتَارَةً حَرَامًا حَتَّى يَكُونَ تَارَةً صَحِيحًا


(١) رواه مسلم (١٤٧٢).
(٢) لعل الصواب: (عَقْد)، وجاء هكذا في جامع المسائل (١/ ٣٩٢): وكذلك المطلِّق ثلاثًا بكلمة أو كلماتٍ بدون رجعةٍ أو عقدٍ قد أتَى بمنكرٍ من القول، فيجب أن لا يقع به. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>