للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَتَارَة فَاسِدًا (١).

وَفِي "الصَّحِيحِ" وَ"السُّنَنِ" وَ"الْمَسَانِيدِ" عَن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ انْ شَاءَ بَعْدُ أَمْسَكَهَا، وَإِن شَاءَ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ" (٢) وَفِي رِوَايَةٍ فِي "الصَّحِيحِ" (٣): أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يُطَلّقَهَا طَاهِرًا أَو حَامِلًا".

وَفِي رِوَايَةٍ فِي "الصَّحِيحِ": قَرَأَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١].

وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِن الصَّحَابَةِ: الطَّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:

وَجْهَانِ حَلَالٌ، وَوَجْهَانِ حَرَامٌ:

فَأَمَّا اللَّذَانِ هُمَا حَلَالٌ:


(١) قال الشيخ في موضع آخر: وَالَّذِينَ لَا يَرَوْنَ الطَّلَاقَ الْمُحَرَّمَ لَازِمًا يَقُولُونَ: هَذَا هُوَ الْأصْلُ الَّذِي عَلَيْهِ أئِمَّةُ الْفُقَهَاءِ؛ كَمَالِك وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ: أنَّ إيقَاعَاتِ الْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ لَا تَقَعُ لَازِمَةً؛ كَالْبَيْعِ الْمُحَرَّمِ وَالنِّكَاحِ الْمُحَرَّمِ وَالْكتَابَةِ الْمُحَرَّمَةِ؛ وَلهَذَا أبْطَلُوا نِكَاحَ الشَّغَارِ وَنِكَاحَ الْمُحَلِّلِ، وَأَبْطَلَ مَالِكٌ وَأحْمَد الْبَيْعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِنْدَ النِّدَاء.
وَهَذَا بِخِلَافِ الظِّهَارِ الْمُحَرَّمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَفْسَهُ مُحَرَّمٌ، كَمَا يَحْرُمُ الْقَذْفُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي هِيَ نَفْسُهَا مُحَرَّمَةٌ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى صَحِيحِ وَغَيْرِ صَحِيحٍ، بَل صَاحِبُهَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ بِكُلِّ حَالٍ، فَعُوقِبَ الْمُظَاهِرُ بِالْكَفَّارَةِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مَا قَصَدَهُ بِهِ مِن الطَّلَاقِ؛ فَإِنَّهُم كَانُوا يَقْصِدُونَ بِهِ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُوجِبُ لَفْظِهِ، فَأَبْطَلَ الشَّارعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ، وَأوْجَبَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ.
أمَّا الطَّلَاق فَجِنْسُهُ مَشْرُوعٌ؛ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، فَهُوَ يَحِلُّ تَارَةً وَيَحْرُمُ تَارَةً، فَيَنْقَسِمُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، كَمَا يَنقَسِمُ الْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ، وَالنَّهْيُ فِي هَذَا الْجِنْسِ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَلَمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُطَلِّقُونَ بِالظِّهَارِ فَأَبْطَلَ الشَّارعُ ذَلِكَ لِأنَّهُ قَوْلٌ مُحَرَّمٌ: كَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ قَوْلٍ مُحَرَّمٍ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ، وَإِلَّا فَهُم كَانُوا يَقْصِدُونَ الطَّلَاقَ بِلَفْظِ الظِّهَارِ كَلَفْظِ الْحَرَامِ، وَهَذَا قِيَاسُ أصْلِ الْأئِمَّةِ؛ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد. اهـ. (٣٣/ ٨٩ - ٩٠).
(٢) رواه البخاري (٥٢٥١).
(٣) مسلم (١٤٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>