يَلْزَمُنِي لَقَد فَعَلْت كَذَا، أَو لَمْ أَفْعَلْهُ، أَو الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ لَقَد فَعَلْت كَذَا: فَهَذَا:
أ - إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا صِدْقَ نَفْسِهِ.
ب - أَو يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ.
فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ صِدْقَ نَفْسِهِ: فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَيْمَانِ، وَهَذَا أَظْهَرُ قَوْلَي الشَّافِعِيّ، وَالرّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَن أَحْمَد.
فَمَن حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ أَو غَيْرِهِمَا عَلَى شَيءٍ يَعْتَقِدُهُ؛ كَمَا لَو حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ.
فَإِذَا كَانَت الْيَمِينُ غَمُوسًا -وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ- فَهَذِهِ الْيَمِينُ يَأْثَمُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ مِنْهَا، وَهِيَ كَبِيرَةٌ مِن الْكَبَائِرِ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ يَظْلِمَ غَيْرَهُ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَاجِرةٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ" (١).
ثُمَّ إنْ كَانَت مِمَّا يُكَفّرُ: فَفِيهَا كَفَّارَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي رِوَايَةٍ، وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ فَقَالُوا: هَذِهِ أَعْظَمُ مِن أَنْ تُكَفَّرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ.
قَالُوا: وَالْكَبَائِرُ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، كَمَا لَا كَفَّارَةَ فِي السَّرِقَةِ وَالزنى وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ قَتْلُ الْعَمْدِ لَا كَفَارَةَ فِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
(١) رواه البخاري (٢٣٥٧)، ومسلم (١٣٨).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute