للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَلَيْسَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْإِشْهَادِ عَلَى النّكَاحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ، هَكَذَا قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ.

فَلَمَّا لَمْ يَكُن عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رضي الله عنه - تَحْلِيل ظَاهِرٌ، وَرَأى فِي إنْفَاذِ الثَّلَاثِ زَجْرًا لَهُم عَن الْمحَرَّمِ: فَعَلَ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ.

أَمَّا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، وَإِنْفَاذُ الثَّلَاثِ يُفْضِي إلَى وُقُوعِ التَّحْلِيلِ الْمُحَرَّمِ بِالنَّصّ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ والاعتبار (١) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْمَفَاسِدِ: لم يَجُزْ أن تزالَ (٢) مفَسدة حقيقيّة بمفاسدَ أغلظَ منها؛ بل جَعْلُ الثلاثِ واحدةً في مثل هذه الحال -كما كان على عهد النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر أولى.

وبالجملة: فما شرَعَه النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- شرعًا لازمًا دائمًا: لا يمكن تغييره؛ لأنه لا يُمكن نسخ بعد رسولِ اللّه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يجوز أن يُظَنَّ بأحدٍ من علماء المسلمين أنه (٣) يَقصِد هذا، لا سيما الصحابة، لا سيما الخلفاء الراشدين.

وَلَو قُدّرَ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ: لَمْ يُقِرّهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذَا إقْرَارٌ عَلَى أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ، وَالْأُمَّة مَعْصُومَة أَنْ تَجْتَمِعَ عَلَى مِثْل ذَلِكَ، وَقَد نُقِلَ عَن طَائِفَةٍ كَعِيسَى بْنِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ مِن أهْلِ الْكَلَامِ وَالرَّأْيِ مِن الْمُعْتَزِلَةِ وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّ الْإِجْمَاعَ يُنْسَخُ بِهِ نُصوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ! وَكُنَّا نَتَأَوَّلُ كَلَامَ هَؤُلَاءِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُم أَنَّ الْإِجْمَاعَ يَدُلُّ عَلَى نَصٍّ نَاسِخٍ، فَوَجَدْنَا مَن ذُكِرَ عَنْهُم أَنَّهُم يَجْعَلُونَ الْإِجْمَاعَ نَفْسَهُ نَاسِخًا، فَإِنْ كَانُوا أَرَادُوا ذَلِكَ فَهَذَا قَوْلٌ يُجَوِّزُ تَبْدِيلَ الْمُسْلِمِينَ دِينَهُم بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، كَمَا تَقُولُ النَّصَارَى مِن أَنَّ الْمَسِيحَ سَوَّغَ لِعُلَمَائِهِمْ أَنْ يُحَرِّمُوا مَا رَأَوْا تَحْرِيمَهُ مَصْلَحَةً، وَيُحِلُّوا مَا رَأَوْا تَحْلِيلَةُ مَصْلَحَةً، وَلَيْسَ هَذَا دِينُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُسَوِّغُونَ ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِمْ.


(١) في الأصل: (وَالاِعْتِقَادِ)، ولا معنى لهذه الكلمة هنا، والتصويب من جامع المسائل (١/ ٣٦٣).
(٢) في الأصل: (يُزالَ)، والتصويب من جامع المسائل (١/ ٣٦٣).
(٣) في الأصل: (أنْ)، والتصويب من جامع المسائل (١/ ٣٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>