للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- شَرْعًا مُعَلَّقًا بِسَبَب: إنَّمَا يَكونُ مَشْرُوعًا عِنْدَ وُجُودِ السَّبَبِ؛ كَإِعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ؛ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَبَعْضُ النَّاسِ ظَنَّ أَنَّ هَذَا نُسِخَ؛ لِمَا رُوِيَ عَن عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَ اللّهَ أَغْنَى عَن التَّأَلُّفِ، فَمَن شَاءَ فَلْيُومِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ، وَهَذَا الظَّنُّ غَلَطٌ، وَلَكِنْ عُمَرُ اسْتَغْنَى فِي زَمَنِهِ عَن إعْطَاءِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُم فَتَرَكَ ذَلِكَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لَا لِنَسْخِهِ، كَمَا لَو فُرِضَ أَنَّهُ عُدِمَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ابْنُ السَّبِيلِ وَالْغَارِمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

ومُتْعَة الْحَجِّ: قَد رُوِيَ عَن عُمَرَ: أَنَّهُ نَهَى عَنْهَا، وَكَانَ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: لَمْ يُحَرِّمْهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِالْأَفْضَلِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ أَحَدُهُم مِن دويرة أَهْلِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُمْرَةَ أَفْضَلُ مِن عُمْوَةِ الْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ بِاتِّفَاقِ الْأئِمَّةِ، حَتَّى إنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَد مَنْصُوصٌ عَنْهُ: أَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجّ وَأَفْرَدَ الْحَجَّ فِي أَشْهُرِهِ: فَهَذَا أَفْضَلُ مِن مُجَرَّدِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، مَعَ قَوْلِهِمَا بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِن الْإِفْرَادِ الْمُجَرَّدِ.

وَالَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ أَقْوَالُ الصَّحَابَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ:

أ - إِمَّا أَنَّهُم رَأَوْا ذَلِكَ مِن بَابِ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَجُوزُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ؛ كَالزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ فِي الْخَمْرِ.

ب - وَإِمَّا لِاخْتِلَافِ اجْتِهَادِهِمْ، فَرَأَوْهُ لَازِمًا، وَتَارَةً غَيْرَ لَازِمٍ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِكَوْنِ لُزُومِ الثَّلَاثِ شَرْعًا لَازِمًا كَسَائِرِ الشَّرَائِعِ: فَهَذَا لَا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لِهَذَا الْمُوْقِعِ أَنْ يَلْتَزِمَ طَلْقَةً وَاحِدَةً وَيُرَاجِعَ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَلْزَمُه شَيءٌ لِكَوْنِهَا كَانَت حَائِضًا إذَا كَانَ مِمَن اتَّقَى اللهَ وَتَابَ مِن الْبِدْعَةِ. [٣٣/ ٨٨ - ٩٨]

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>