قُلْت: الْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهَا أَوْجَبْت لِلْمُرْضِعَاتِ رِزْقَهُنَّ وَكِسْوَتَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، لَا زِيادَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ: تُؤَجّرُ نَفْسَهَا بِأُجْرَةِ غَيْرِ النَّفَقَةِ!
وَالْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى هَذَا؛ بَل إذَا كَانَت الْآيَةُ عَامَّةً دَلَّتْ عَلَى أَنَّهَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا مَعَ إنْفَاقِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، كَمَا لَو كَانَت حَامِلًا فَإِنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَتَدْخُلُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَاءِ أُمِّهِ، وَكَذَلِكَ فِي حَالِ الرَّضَاعِ، فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَمْلِ هِيَ نَفَقَةُ الْمُرْتَضِعِ.
وَعَلَى هَذَا: فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ فَالَّذِينَ خَصُّوهُ بِالْمُطَلَّقَاتِ أَوْجَبُوا نَفَقَةً جَدِيدَةً بِسَبَبِ الرَّضَاعِ كَمَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِالْمُطَلَّقَةِ.
وقَوْله تَعَالَى: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} قَدّ عُلِمَ أَنَّ مَبْدَأَ الْحَوْلِ مِن حِينِ الْوِلَادَةِ، وَالْكَمَالَ إلَى نَظِيرِ ذَلِكَ.
فَإِذَا كَانَ مِن عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ كَانَ الْكَمَالُ فِي عَاشِرِ الْمُحَرَّمِ فِي مِثْل تِلْكَ السَّاعَةِ؛ فَإِنَّ الْحَوْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِن الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ} [التوبة: ٣٦].
وَهَكَذَا مَا ذَكَرَهُ مِن الْعِدَّةِ أَرْبَعَة أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، أَوَّلُهَا مِن حِينِ الْمَوْتِ، وَآخِرُهَا إذَا مَضَتْ عَشْرٌ بَعْدَ نَظِيرِهِ؛ فَإِذَا كَانَ فِي مُنْتَصَفِ الْمُحَرَّمِ فَآخِرُهَا خَامِس عَشَرَ الْمُحَرَّمِ.
وَكَذَلِكَ الْأَجَلُ الْمُسَمَّى فِي الْبُيُوعِ وَسَائِرِ مَا يُؤَجَّلُ بِالشَّرْعِ وَبِالشَّرْطِ.
وَللْفُقَهَاءِ هُنَا قَوْلَانِ آخَرَانِ ضَعِيفَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ مَن يَقُولُ: إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ كَانَ جَمِيعُ الشُّهُورِ بِالْعَدَدِ، فَيَكُونُ الْحَوْلَانِ ثَلَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ.
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَزِيدُ الْمُدَّةُ اثْنَي عَشَرَ يَوْمًا" وَهُوَ غَلَطُ بَيِّنٌ.
والْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَن يَقُولُ: مِنْهَا وَاحِدٌ بِالْعَدَدِ، وَسَائِرُهَا بِالْأَهِلَّةِ.