وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْأُمّ إرْضَاعَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {يُرْضِعْنَ} خَبَرٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَهِيَ مَسْأْلَةُ نِزَاعٍ؛ وَلهَذَا تَأَوَّلَهَا مَن ذَهَبَ إلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ.
فَيُقَالُ: بَل الْقرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّ لِلِابْنِ عَلَى الْأُمّ الْفِعْلَ، وَعَلَى الْأَبِ النَّفَقَةَ.
وَلَو لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ، وَالْأَجْنَبِيَّةُ تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَلَو لَمْ يُوجَدْ غيْرُهَا.
وقَوْله تَعَالَى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: ٢٣٣] دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ (١) أَنْ يُرِيدَ إتْمَامَ الرَّضَاعِ، وَيَجُوزُ الْفِطَامُ قَبْلَ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَصْلَحَةً، وَقَد بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّة لَا يُفْصَلُ إلَّا بِرِضَا الْأَبَوَيْنِ، فَلَو أَرَادَ أَحَدُهُمَا الْإِتْمَامَ وَالْآخَرُ الْفِصَالَ قَبْلَ ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ لِمَن أَرَادَ الْإِتْمَامَ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣]، وَلَمْ يَقُلْ: "وَعَلَى الْوَالِدِ" كَمَا قَالَ {وَالْوَالِدَاتُ}؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي تَلِدُهُ، وَأَمَّا الْأَبُ فَلَمْ يَلِدْهُ؛ بَل هُوَ مَوْلُودٌ لَهُ، لَكِنْ إذَا قُرِنَ بَيْنَهُمَا قِيلَ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: ٣٦]، فَأَمَّا مَعَ الْإِفْرَادِ فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَسْمِيَتُهُ وَالِدًا بَل أَبًا.
وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْوَلَدَ وُلدَ لِلْأَبِ لَا لِلْأُمِّ؛ وَلهَذَا كَانَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَمْلًا وَأُجْرَةَ رَضَاعِهِ.
وَهَذَا يُوَافِق قَوْله تَعَالَى: فِيَهَمُي {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩)} [الشورى: ٤٩]، فَجَعَلَهُ مَوْهُوبًا لِلْأَبِ.
وَجَعَلَ بَيْتَهُ بَيْتَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} [النور: ٦١].
(١) هكذا في الأصل، وهي النسخة التي طبعها مجمع الملك فهد، وفي الكتب الأخرى لشيخ الإسلام بالنفي: لَا يَجُوزُ، والصواب المثبت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute