للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ لِلْأَبِ وَهُوَ زَرْعُهُ: كَانَ هَذَا مُطَابِقًا لِقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك" (١)، وَقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِن كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِن كَسْبِهِ" (٢)، فَقَد حَصَلَ الْوَلَدُ مِن كَسْبِهِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة؛ فَإِنَّ الزَّرْعَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ كَسْبُ الْمُزْدَرَعِ لَهُ الَّذِي بَذَرَهُ وَسَقَاهُ، وَأَعْطَى أُجْرَةَ الْأَرْضِ، فَإِنَّ الرَّجُلَ أَعْطَى الْمَرْأَةَ مَهْرَهَا، وَهُوَ أَجْرُ الْوَطْءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠]، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)} [المسد: ٢]، وَقَد فُسِّرَ {وَمَا كَسَبَ} بِالْوَلَدِ.

فَالْأُمُّ هِيَ الْحَرْثُ، وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ، وَالْأَبُ اسْتَأْجَرَهَا بِالْمَهْرِ، كَمَا يَسْتَأْجِرٌ الْأَرْضَ، وَأَنْفَقَ عَلَى الزَّرْعِ بِإِنْفَاقِهِ لَمَّا كَانَت حَامِلًا، ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَى الرَّضِيعِ كَمَا يُنْفِقُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ إذَا كَانَ مَسْتُورًا وَاِذَا بَرَزَ؛ فَالزَّرْعُ هوَ الْوَلَدُ، وَهُوَ مِن كَسْبِهِ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِن مَالِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ كَمَا جَاءَت بِهِ السُّنَّةُ، وَأَنَّ مَالَهُ لِلْأَبِ مُبَاحٌ، وَإِن كَانَ مِلْكًا لِلِابْنِ فَهُوَ مُبَاح لِلْأَبِ أَنْ يَمْلِكَهُ وَإِلَّا بَقِيَ لِلِابْنِ، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتَمَلَّكْهُ وَرِثَ عَن الاِبْنِ (٣).


(١) رواه ابن ماجه (٢٢٩١)، وأحمد (٦٩٠٢)، وصحَّحه الألباني في الإرواء (٨٣٨).
(٢) رواه أبو داود (٣٥٢٨)، والنسائي (٤٤٤٩)، وابن ماجة (٢١٣٧)، وأحمد (٢٤٠٣٢)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود.
(٣) جاءت الأدلة على أنّ للأب على ابنه حقًّا في مالِه، ومن هذه الأدلة:
١ - ما جاء عند أبي داود (٣٥٣٠)، وابن ماجة (٢٢٩٢)، عَنْ عَمْرِو بْن شُعَيْبٍ عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: إِنَّ أَبِي اجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ" وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أوْلَادَكُمْ مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُمْ، فَكُلُوا مِنْ أمْوَالِهِمْ".
٢ - قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، وقَوْله تَعَالَى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ}، وقَوْله تَعَالَى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ}.
ووجه الدلالة منها ذكره شيخ الإسلام -رَحِمَه اللّه-.
وقد أخذ الحنابلة بهذه الأدلة على إطلاقها، وقالوا: للأب أن يأخذ من مال ولده ولو من =

<<  <  ج: ص:  >  >>