للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَللْأَبِ أَيْضًا أَنْ يَسْتَخْدِمَ الْوَلَدَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِهِ.

وَفِي هَذَا وُجُوبُ طَاعَةِ الْأبِ عَلَى الاِبْنِ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا لَا يَضُرُّ بِالاِبْنِ.

وَدَلَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ حَامِلًا مِن غَيْرِهِ، وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَهَا كَانَ كَسَقْيِ الزرْعِ يَزِيدُ فِيهِ وَيُنَمِّيهِ، وَيَبْقَى لَهُ شركَة فِي الْوَلَدِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْبَادُ هَذَا الْوَلَدِ فَلَو مَلَكَ أَمَةَ حَامِلًا مِن غَيْرِهِ وَوَطِئَهَا حَرُمَ اسْتِعْبَادُ هَذَا الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ سَقَاهُ؛ وَلقَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ وَكَيْفَ يُوَرِّثُهُ -أَيْ: يَجْعَلُهُ مَوْرُوثًا مِنْهُ- وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ " (١).

وَمَن ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ: كَيْفَ يَجْعَلُهُ وَارِثًا فَقَد غَلِطَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَرْأَةَ كَانَت أَمَةً لِلْوَاطِئِ، وَالْعَبْدُ لَا يُجْعَلُ وَارِثًا، إنَّمَا يُجْعَلُ مَوْرُوثًا.

فَأَمَّا إذَا اُسْتُبْرِئَت الْمَرْأَةُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا زَرْعَ هُنَاكَ.


= غير حاجة، لكن بشرط ألا يجحف بمال الولد، وألا يأخذ من مال ولده ويعطي ولدًا آخر.
فحَقّ الأب مقدّمَ عَلَى حَقِّهِ، ولَا يعني ذلك بأنَّ حَقّه منفيٌّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَالْوَلَدُ أَحَقُّ مِن الْأب بِمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ.
وذهب جمهور العلماء أن الأب إذا كان في كفاية فلا يحق له أن يأخذ شيئًا من مال ولده بغير رضاه.
وقال ابن قدامة -رَحِمَه اللّه-، المغني (٦/ ٦٣): وَلِأَبٍ أنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ، وَيَتَمَلَّكَهُ، مَعَ حَاجَةِ الْأب إلَى مَا يَأْخُذُهُ، وَمَعَ عَدَمِهَا، صَغِيرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ كَبيرًا، بِشَرْطَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُجْحِفَ بالاِبْن، وَلَا يَضُزَ بهِ، وَلَا يَأْخُذَ شَيْئًا تَعَلَّقَتْ بِهِ حَاجَتُهُ.
الثَّانِي: أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ مَالٍ وَلَدِهِ فَيُعْطِيَهُ الآخَرَ.
وَقَالَ أبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَاخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ إِلَّا بِقَدْرِ حَاجَتِهِ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا"، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. اهـ.
(١) وأصل الحديث ما رواه أبو الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنَّهُ أَتَى بِامْرَأةٍ -أي: مر عليها في بعض أسفاره- مُجِحٍّ -هي الحامل التي قربت ولادتها- عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: "لَعَلَّهُ يُرِيدُ أنْ يُلِمَّ بِهَا؟ " -أي: يطؤها وكانت حاملًا مسبية لا يحل جماعها حتى تضع-، فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَقَد هَمَمْتُ أنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ ". رواه مسلم (١٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>