للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ نَحْو مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَذْهَب مَالِكٍ: أَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ مَا لَمْ يَبْلُغْ، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَو أُنْثَى، فَإِذَا بَلَغَ وَهُوَ أُنْثَى نُظِرتْ: فَإِذَا كَانَت الْأُمُّ فِي حِرزٍ (١) وَمَنَعَةٍ وَتَحَصُّنٍ فَهِيَ أَحَقُّ بِهَا أَبَدًا مَا لَمْ تَنْكحْ، وَإِن بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ حَتَّى تَحِيضَ، وَمَن سِوَى الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى تَبْلُغَ حَدًّا تُشْتَهَى.

وَأَمَّا التَّخْيِيرُ فِي الْجَارِيَةِ: فَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْقُولًا لَا عَن أَحْمَد وَلَا عَن إسْحَاقَ كمَا نُقِلَ عَنْهُمَا التَّخْيِيرُ فِي الْغُلَامِ.

وَالتَّخْيِيرُ فِي الْغلَامِ [هوَ مَذْهَبُ] (٢) الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِسْحَاقَ؛ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ حَيْثُ "خَيَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- غُلَامًا بَيْنَ أَبَوَيْهِ" (٣)، وَهِيَ قَضِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْهُ نَصٌّ عَامٌّ فِي تَخْيِيرِ الْوَلَدِ مُطْلَقًا.

وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي تَخْيِيرِ الْجَارَيةِ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِهِمْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ تَخْيِيرِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ: أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ لا تَخْيِيرَ (٤) رَأيٍ وَمَصْلَحَةٍ؛ كَتَخْيِيرِ مَن يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ كَالْإِمَامِ وَالْوَلِيِّ.

وَلَكِنْ مَعْنَى قَوْلِنَا: "تَخْيِيرٌ" أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِعْلُ وَاحِدٍ مِن هَذِهِ الْأُمُورِ فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ بَل قَد يَتَعَيَّن فِعْلُ هَذَا تَارَة وَهَذَا تَارَةً، وَقَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] يَقْتَضِي فِعْلَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ تَغْيِيرَ هَذَا فِي حَالٍ وَهَذَا فِي حَال.


(١) في الأصل: (حوز)، والمثبت من جامع المسائل (٣/ ٤٠٣).
(٢) في الأصل (ومذهب): والتصويب من مختصر الفتاوى المصرية (٦١٧).
(٣) رواه الترمذي (١٣٥٧)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترمذي.
(٤) في الأصل: (وَتَخْييرُ)، وهو خطأ يُغير المعنى، والتصويب من مختصر الفتاوى المصرية (٦١٨)، وجامع المَسائل (٣/ ٤٠٥)، والمستدرك على فتاوى ابن تيمية (١/ ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>