للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَهَذَا بِخِلَافِ مَن خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ أَيَّهمَا شَاءَ؛ كَالْمُكَفِّرِ إذَا خُيِّرَ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ أَحَدُ الْخِصَالِ أفْضَلَ فَيَجُوزُ لَهُ فِعْلُ الْمَفْضُولِ.

وَفِي كَفَّارَةِ الْمَجَامِعِ فِي رَمَضَانَ هَل هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَو عَلَى التَّرْتِيبِ؟ فِيهَا قَوْلَانِ هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَد، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا عَلَى التَّرْتِيبِ، لَكِنَّ التَّرْتِيبَ فِيهَا ثَبَتَ بِحِكَايَةِ الْمَجَامِعِ لَا بِلَفْظٍ عَامٍّ (١)؛ فَلِهَذَا أَقْدَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنْ أَلْزَمَ بَعْضَ الْمُلُوكِ بِالصَّوْمِ عَيْنًا، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ فِيهَا لَيْسَ شَرْعًا عَامًّا؛ بَل هُوَ مِن بَابِ تَنْقِيح الْمَنَاطِ، وَقَدَّمَ الْعِتْقَ فِي حَقِّ مَن يَكُونُ عِنْدَهُ أَصْعَبَ مِن الصِّيَامِ كَالْأَعْرَابِ، وَأَمَّا مَن كَانَ الْعِتْقُ أَسْهَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ.

وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يخَيَّرُ تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ حَيْثُمَا كَانَ كُلٌّ مِن الْأَبَوَيْنِ نَظِيرَ الْآخَرِ، وَلَمْ يُضْبَطْ فِي حَقِّهِ حَكَمٌ عَامٌّ لِلْأَبِ أَو لِلْأُمِّ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: كُلُّ أَب فَهُوَ أَصْلَحُ لِلْمُمَيِّزِ مِن الْأُمِّ، وَلَا كُلُّ أُمٍّ هِيَ أَصْلَحُ لَهُ مِن الْأَبِ؛ بَل قَد يَكونُ بَعْضُ الْآبَاءِ أَصْلَحَ، وَبَعْضُ الْأُمَّهَاتِ أَصْلَحَ، وَقَد يَكُونُ الْأَبُ أَصْلَحَ فِي حَالٍ، وَالْأمُّ أَصْلَحَ فِي حَالٍ، فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُعَيَّنَ أَحَدُهُمَا فِي هَذَا.

بِخِلَافِ الصَّغِيرِ (٢)، فَإِنَّ الْأُمَّ أَصْلَحُ لَهُ مِن الْأَبِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ أَرْفَقُ بِالصَّغِيرِ وَأَخْبَرُ بِتَغْذِيَتهِ وَحَمْلِهِ، وَأَصْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَرْحَم بِهِ، فَهِيَ أَقْدَرُ وَأَخْبَرُ وَأَرْحَمُ وَأَصْبَرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَعُيِّنَت الْأُمُّ فِي حَقِّ الطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ بِالشَّرْعِ.


(١) جاء في الصحيحين البخاري (١٩٣٦)، ومسلم (١١١١)، عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، إذ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلَكْتُ. قَالَ: "مَا لَكَ؟ "، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "هَل تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ "، قَالَ: لَا، قَالَ: "فَهل تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ"، قَالَ: لَا، فَقَالَ: "فَهَل تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكينًا". قَالَ: لَا .. الحديث.
(٢) الذي دون سنّ التمييز.

<<  <  ج: ص:  >  >>