الأمة: علماؤها وأمراؤها، فيحصل بكذبه أنواع كثيرة من الفساد، فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله، وإن جاز أن يندفع وجاز ألا يندفع: قتل أيضًا.
وعلى هذا جاء قوله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ}[المائدة: ٣٢]، وقوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة: ٣٣].
وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله، لكن بقي فساد دون ذلك، فهو محل نظر.
قال أبو العباس: وأفتيت أميرًا مقدمًا على عسكر كبير في الحربية (١) إذا نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة؛ إذ هو من باب دفع الصائل.
قال: وأمرت أميرًا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس ويمن قد قتل منهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة، ولو أنهم مائة.
قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان، سنة أربع وسبع مائة بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه، وكنت أفتيهم قبل هذا: بأنه يعاقب عقوبتين عقوبة على الشرب، وعقوبة على الفطر في نهار رمضان، فقالوا: ما مقدار التعزير؟ فقلت: هذا يختلف باختلاف الذنب، وحال المذنب، وحال الناس، وتوقفت عن القتل، فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحلُّ نظام الإسلام لجرأة الناس على انتهاك المحارم في نهار رمضان، فأفتيت بقتله فقتل، ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهوديًّا وأنه أظهر الإسلام. [المستدرك ٥/ ١١٣ - ١١٦]
(١) هكذا في الأصل، وفي الاختيارات (٤٣٧): الحرامية.