زرارة بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَت ابْنَ عَبَّاسٍ: أَنَّ امْرَأَةً جَعَلَتْ بُرْدَهَا عَلَيْهَا هَدْيًا إنْ لَبِسَتْهُ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَفِي غَضَبٍ أَمْ فِي رِضًا؟ قَالُوا: فِي غَضَبٍ، قَالَ: إنَّ اللهَ تبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُتَقَرَّبُ إلَيْهِ بِالْغَضبِ، لِتُكَفِّر عَن يَمِينِهَا.
قُلْت: ابْنُ عَبَّاسٍ اسْتَفْسَرَ النَّذْرَ هَل مَقْصُودُهَا التَّقَرُّبُ بِالْمَنْذُورِ، كَمَا قَد يَقُولُ الْقَائِلُ: إنْ سَلِمَ مَالِي تَصَدَّقْت بِهِ، أَو مَقْصُودُهَا الْحَلِفُ أَنَّهَا لَا تَلْبَسُهُ، فَيَكُونُ عَلَيْهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ، فَقَالَ: أَفِي غَضَبٍ أَمْ رِضًا؟ فَلَمَّا قَالُوا: فِي غَضبٍ عَلِمَ أَنَّهَا حَالِفَةٌ لَا نَاذِرَةٌ؛ وَلهَذَا سَمَّى الْفُقَهَاءُ هَذَا "نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ"، فَهُوَ يَمِينٌ وَإِن كَانَ صِيغَتُهُ صِيغَةَ الْجَزَاءِ. [٣٥/ ٣٣٦ - ٣٤٠]
٤٩٧٣ - مَا وَجَبَ بِالشَّرْعِ إذَا نَذَرَهُ الْعَبْدُ، أَو عَاهَدَ اللهَ عَلَيْهِ، أَو بَايَعَ عَلَيْهِ الرَّسُولَ أَو الْإِمَامَ، أَو تَحَالَفَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ: فَإِنَّ هَذِهِ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ تَقْتَضِي لَهُ وُجُوبًا ثَانِيًا غَيْرَ الْوُجُوبِ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، فَتَكُونُ وَاجِبَةً مِن وَجْهَيْنِ، بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ تَارِكُهَا مِن الْعُقُوبَةِ مَا يَسْتَحِقُّهُ نَاقِضُ الْعُهُودِ وَالْمِيثَاقِ، وَمَا يَسْتَحِقُّهُ عَاصِي اللهِ وَرَسُولِهِ، هَذَا هُوَ التَّحْقِيقُ. [٣٥/ ٣٤٥ - ٣٤٦]
٤٩٧٤ - وَسُئِلَ رحمه الله: عَن رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى وَلَدِهِ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ حَتَّى يُعْطِيَهُ الْكِسَاءَ الَّذِي أَخَذَهُ، ثُمَّ تبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا، فَهَل يَحْنَثُ إذَا دَخَلَ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ: إذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ إذَا كَانَت الْحَالَةُ مَا ذُكِرَ؛ لِكَوْنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ مُمْتَنِعًا لِذَاتِهِ، كَمَا لَو حَلَفَ لَيَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي هَذَا الْإِنَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ مَاءٌ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ؛ وَلأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ ابْنَهُ أَخَذَهُ وَتَبَيَّنَ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا فِيهِ أَيْضًا نِزَاعٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا حِنْثَ فِيهِ فَصَارَ غَيْرَ حَانِثٍ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ: إذَا حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ: فَإِنَّ هَذَا جَهْلٌ بِالْمَحْلوفِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ جَهْلٌ بِصِفَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. [٣٥/ ٣٤٧ - ٣٤٨]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute