للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْمُلُوكِ يَقُولُ: إذَا حَكَمْت لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَلَا يَأْخُذُهُ. [٣٥/ ٣٧٢ - ٣٧٧]

٥٠١٨ - فَرَضَ اللهُ عَلَى وُلَاةِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ اتِّبَاعَ الشَّرْعِ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَإِذَا تَنَازَعَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِن مَسَائِلِ الدِّينِ وَلَو كَانَ الْمُنَارعُ مِن آحَادِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: لَمْ يَكُن لِوُلَاةِ الْأُمُورِ أَنْ يُلْزِمُوهُ بِاتبُاعِ حُكْمِ حَاكِمٍ (١)؛ بَل عَلَيْهِم أَنْ يُبَيِّنُوا لَهُ الْحَقَّ كَمَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ لِلْجَاهِلِ الْمُتَعَلِّمُ (٢).

فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَظَهَرَ وَعَانَدَهُ بَعْدَ هَذَا: اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ.

وَأَمَّا مَن يَقُولُ: إنَّ الَّذِي قُلْتُه هُوَ قَوْلِي، أَو قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَد قُلْته اجْتِهَادًا أَو تَقْلِيدًا: فَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ لَا تَجُوزُ عُقُوبَتُهُ، وَلَو كَانَ قَد أَخْطَأَ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَلَو عُوقِبَ هَذَا لَعُوقِبَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْهُم مِن أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ أَقْوَالٌ اجْتَهَدَ فِيهَا، أَو قَلَّدَ فِيهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ فِيهَا، فَلَو عَاقَبَ اللهُ الْمُخْطِئَ لَعَاقَبَ جَمِيعَ الْخَلْقِ.

فَالْمُفْتِي وَالْجُنْدِيُّ وَالْعَامِّيُّ إذَا تَكلَّمُوا بِالشَّيْءِ بِحَسَب اجْتِهَادِهِمْ اجْتِهَادًا أَو تَقْلِيدًا قَاصِدِينَ لِاتِّبَاعِ الرَّسُولِ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِمْ: لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعُقوبَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ (٣)، وَإِن كَانُوا قَد أَخْطَؤوا خَطَأً مُجْمَعًا عَلَيْهِ.

وَإِذَا قَالُوا: إنَّا قُلْنَا الْحَقَّ، وَاحْتَجُّوا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ: لَمْ يَكُن لِأَحَد مِن الْحُكَّامِ أَنْ يُلْزِمَهُم بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَلَا يَحْكُمَ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْحَقُّ دُونَ قَوْلِهِمْ؛ بَل يَحْكُمُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُم الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.


(١) ولا بقول عالم.
(٢) أي: كما يُبَيِّنُ الْمُتَعَلِّمُ الْحَقَّ لِلْجَاهِلِ.
(٣) ولا يستحقون الذم والقدح والتشهير بهم، بل يُرد خطؤهم، ويُناصحون برفق وبلا فضيحة.

<<  <  ج: ص:  >  >>