للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَخَذَ ذَلِكَ الْمَشْغُوفُ بِهِم يُعَظِّمُ هَذَا، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّوْحِيدِ.

فَقُلْت: التَّوْحِيدُ حَقٌّ، لَكِن اُذْكُرْ مَا شِئْت مِن أدِلَّتِهِم الَّتِي تَعْرِفُهَا حَتَّى أَذْكُرَ لَك مَا فِيهِ.

فَذَكَرَ بَعْضَهَا بِحُرُوفِهِ، حَتَّى فَهِمَ الْغَلَطَ، وَذَهَبَ إلَى ابْنِهِ -وَكَانَ أَيْضًا مِن الْمُتَعَصِّبِينَ لَهُم- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ.

فَأَخَذَ يُعَظِّمُ ذَلِكَ عَلِيَّ، فَقُلْت: أنَا لَا أَشُكُّ فِي التَّوْحِيدِ، وَلَكِنْ أَشُكُّ فِي هَذَا الدَّلِيلِ الْمُعَيَّنِ (١).

وَيَدُلُّك عَلَى ذَلِكَ أمُورٌ:

أَحَدُهَا: أنَّك تَجِدُهُم أعْظَمَ النَّاسِ شَكًّا وَاضْطِرَابًا، وَأَضْعَفَ النَّاسِ عِلْمًا وَيقِينًا، وَهَذَا أمْرٌ يَجِدُونَهُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَيشْهَدُهُ النَّاسُ مِنْهُمْ.

وَإِنَّمَا فَضِيلَةُ أحَدِهِمْ: بِاقْتِدَارِهِ عَلَى الِاعْتِرَاضِ وَالْقَدْحِ وَالْجَدَلِ، وَمِن الْمَعْلُومِ أنَّ الِاعْتِرَاضَ وَالْقَدْحَ لَيْسَ بِعِلْم، وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ.

وَأحْسَنُ أحْوَالِ صَاحِبِهِ أنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّيِّ (٢).

وَإِنَّمَا الْعِلْمُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ (٣).

وَلهَذَا تَجِدُ غَالِبَ حُجَجِهِمْ تَتَكَافَأُ؛ إذ كُلٌّ مِنْهُم يَقْدَحُ فِي أَدِلَّةِ الْآخَرِ.

حَتَّى قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ: أكْثَرُ الناسِ شَكًّا عِنْدَ الْمَوْتِ أَهْلُ الْكَلَام.

وَهَذَا أبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِي مِن أعْظَمِ النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ -بَابِ الْحِيرَةِ وَالشَّكِّ وَالِاضْطِرَابِ- لَكِنْ هُوَ مُسْرِفٌ فِي هَذَا الْبَابِ؛ بِحَيْثُ لَهُ نَهْمَةٌ فِي


(١) انظر إلى نبوغه ني صغره، وقوة حججه وهو قريب من البلوغ، حيث يُجادل رجلًا كبيرًا، ويذكر له أنه مستعد أن يُجيب عن أي دليل يحتج به.
(٢) فالعامي قد يُكثر من الجدال والنقاش والاعتراض، بخلاف المتمكن من العلم، فإنه قليل الجدال والاعتراض.
(٣) وهذا هو العلم الحقيقي، ولذلك لا يدل كثرةُ اعتراض الطالب على الشيخ أو جدالهِ في المسائل الدينية على علمه وفهمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>