للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقِسْمُ الثَّانِي مِن الدَّعَاوَى: "دَعَاوَى التُّهَمِ": وَهِيَ دَعْوَى الْجِنَايَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ؛ كَدَعْوَى الْقَتْلِ، وَقَطْعِ الطَّرِيقِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْقَذْفِ، وَالْعُدْوَانِ.

فَهَذَا يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ، فَإِنَّ الْمُتَّهَمُ:

أ - إمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِن أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ.

ب - أَو فَاجِرًا مِن أَهْلِهَا.

ج - أَو مَجْهُولَ الْحَالِ لَا يَعْرِفُ الْحَاكِمُ حالَه.

فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا: لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتهُ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهَمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ أَهْلِ الشَرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الْبُرَآءِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُون الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ، لَا يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلَا فُجُورٍ: فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي، هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمُحَقِّقِي أَصْحَابِهِ، وَذَكَرَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَدُ: قَد حَبَسَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي تُهْمَةٍ، قَالَ أَحْمَدُ: وَذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَمْرُهُ، وَقَد رَوَى أَبُو دَاوُد فِي "سُنَنِهِ" وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِن حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ" (١).

وَالْأُصُولُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ تُوَافِقُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا طَلَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، الَّذِي يَسُوغُ إحْضَارُهُ: وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ إحْضَارُهُ إلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ، حَتَّى يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا، ويُحْضِرُهُ مِن مَسَافَةِ الْعَدْوَى -


(١) رواه أبو داود (٣٦٣٠)، والترمذي (١٤١٧)، النسائي (٤٨٧٥)، وحسَّنه الألباني في صحيح أبي داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>