للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الَّتِي هِيَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ بَرِيدٌ- وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ الذَّهَابُ إلَيْهِ وَالْعَوْدُ فِي يَوْمِهِ، كَمَا يَقُولُهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَن أَحْمَدَ، وَعَن بَعْضِهِمْ يُحْضِرُهُ مِن مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهِيَ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ، كَمَا هِيَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَن أَحْمَدَ.

ثُمَّ إنَّ الْحَاكِمَ قَد يَكُونُ مَشْغُولًا عَن تَعْجِيلِ الْفَصْلِ، وَقَد تَكُونُ عِنْدَهُ حُكُومَاتٌ سَابِقَةٌ، فَيَكُونَ الْمَطْلُوبُ مَحْبُوسًا مَعُوقًا مِن حِينِ يُطْلَبُ إلَى أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ، وَهَذَا حَبْسٌ بِدُونِ التُّهْمَةِ، فَفِي التُّهْمَةِ أَوْلَى؛ فَإِنَّ الْحَبْسَ الشَّرْعِيَّ لَيْسَ هُوَ السِّجْنُ فِي مَكَان ضَيِّقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْوِيقُ الشَّخْصِ وَمَنْعُهُ مِن التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي بَيْتٍ أَو مَسْجِدٍ، أَو كَانَ بِتَوْكِيلِ نَفْسِ الْخَصْمِ أَو وَكِيلِهِ عَلَيْهِ، وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ.

وَلَمَّا كَانَ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ مِن جِنْسِ الْحَبْسِ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: هَل يَحْضُرُ الْخَصْمُ الْمَطْلُوبُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَو لَا يَحْضُرُ حَتَّى يُبَيِّنَ الْمُدَّعِي أَنَّ لِلدَّعْوَى أَصْلًا، عَلَى قَوْلَيْنِ، هُمَا رِوَايَتَانِ عَن أَحْمَدَ، وَالْأَوَّلُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَالثَّانِي: قَوْلُ مَالِكٍ (١).

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ؛ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُولِ فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى.

وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِن أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ: إنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ، وُيرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا -عَلَى إطْلَاقِهِ- مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِن الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِن الْأَئِمَّةِ، وَمَن زَعَمَ أَنَّ هَذَا -عَلَى إطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ- هُوَ الشَّرْعُ: فَقَد غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا مُخَالِفًا لِنُصُوصِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.


(١) فجمهور العلماء على أنَّ الْخَصْمَ الْمَطْلُوبَ يَحْضُرُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>