للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِقْدَارِ التَّعْزِيرِ عَلَى أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، وَعَلَى قَدْرِ الْجَرِيمَةِ، فَيَجْتَهِدُ فِيهِ وَليُّ الْأَمْرِ.

الثَّانِي -وَهُوَ أَحْسَنُهَا-: أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ فِي مَعْصِيَةٍ قَدْرَ الْحَدِّ فِيهَا، فَلَا يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ عَلَى النَّظَرِ وَالْمُبَاشَرَةِ حَدَّ الزِّنَا، وَلَا عَلَى السَّرِقَةِ مِن غَيْرِ حِرْزٍ حَدَّ الْقَطْعِ، وَلَا عَلَى الشَّتْمِ بِدُونِ الْقَذْفِ حَدَّ الْقَذْفِ. وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِث: أَنَّهُ يَبْلُغُ بِالتَّعْزِيرِ أَدْنَى الْحُدُودِ: إمَّا أَرْبَعِينَ، وَإِمَّا ثَمَانِينَ وَهَذَا قَوْلُ كَثِيرٍ مِن أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

وَالْمَنْقُولُ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وخُلَفَائِهِ -رضي الله عنهم- يُوَافِقُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَإِنَّ "النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم-: أَمَرَ بِجَلْدِ الَّذِي وَطِئَ جَارَيةَ امْرَأَتِهِ -وَقَد أَحَلَّتْهَا لَهُ- مِائَةً" (١).

وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما-: "أَمَرَا بِجَلْدِ مَن وُجِدَ مَعَ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فِي فِرَاشٍ مِائَةَ جَلْدَةٍ".

وَأَمَّا ضَرْبُ الْمُتَّهَمِ إذَا عُرِفَ أَنَّ الْمَالَ عِنْدَهُ -وَقَد كَتَمَهُ وَأَنْكَرَهُ- فَيُضْرَبُ لِيُقِرَّ بِهِ. فَهَذَا لَا رَيْبَ فِيهِ.

فَإِنَّهُ ضَرْبٌ لِيُؤَدِّيَ الْوَاجِبَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ. [٣٥/ ٣٨٩ - ٤٠٧]

٥٠٥٧ - قال ابن القيم رَحَمِهُ اللهُ: وقد ذكر أصحاب مالك القسامة في الأموال، وذلك فيما إذا أغار قوم على بيت رجل وأخذوا ما فيه والناس ينظرون إليهم ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوا، ولكن علم أنهم أغاروا


(١) رواه أحمد (١٨٤٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>