للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْخَوَارج وَالْمُعْتَزِلَةِ (١).

وَالثَّاني: مَن يُبِيحُ الْمُلْكَ مُطْلَقًا، مِن غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ، كَمَا هُوَ فِعْلُ الظَّلَمَةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ وَأَفْرَادِ الْمُرْجِئَةِ (٢).

وَهَذَا تَفْصِيل جَيِّدٌ.

وتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ: انْتِقَالُ الْأَمْرِ عَن خِلَافَةِ النبوَّةِ إلَى الْمُلْكِ:

أ - إمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَجْزِ الْعِبَادِ عَن خِلَافَةِ النُّبُوَةِ.

ب - أَو اجْتِهَادٍ سَائِغٍ.

ج - أَو مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ عِلْمًا وَعَمَلًا.

فَإِنْ كَانَ مَعَ الْعَجْزِ عِلْمًا أَو عَمَلًا: كَانَ ذُو الْمُلْكِ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ، وَإِن كَانَت خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَاجِبَةً مَعَ الْقُدْرَةِ، كَمَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْوَاجِبَاتِ مَعَ الْعَجْزِ؛ كَحَالِ النَّجَاشِيّ لَمَّا أَسْلَمَ وَعَجَزَ عَن إظْهَارِ ذَلِكَ فِي قَوْمِهِ؛ بَل حَالُ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ تُشْبِهُ ذَلِكَ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ، لَكِنَّ الْمُلْكَ كَانَ جَائِزًا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ كدَاوُد وَسُلَيْمَانَ ويُوسُفَ.

وَإِن كَانَ مَعَ الْقُدْرَةِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَقُدِّرَ أَنَّ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَأَنَّ اخْتِيَارَ الْمُلْكِ جَائِزٌ فِي شَرِيعَتِنَا كَجَوَازِهِ فِي غَيْرِ شَرِيعَتِنَا: فَهَذَا التَّقْدِيرُ إذَا فرِضَ أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا إثْمَ عَلَى الْمَلِكِ الْعَادِلِ أَيْضًا.

وَأَمَّا إذَا كَانَت خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَاجِبَةً وَهِيَ مَقْدُورَةٌ وَقَد تُرِكَتْ: فَتَرْكُ الْوَاجِبِ سَبَبٌ لِلذَّمِّ وَالْعِقَابِ.


(١) وهذا ما شاهدناه من خوارج هذا العصر، حيث خرجوا على أمة الإسلام وحكامها وعلمائها ومُجاهديها في بعض بلاد المسلمين، وأعلنوا الخلافة وحاربوا كل من لم يدخل تحت لوائهم.
(٢) ذكر الشيخ حكم الْفلْكِ: هَل هُوَ جَائِزٌ فِي شَرِيعَتِنَا وَلَكِن خِلَافَةَ النُّبُوّةِ مُسْتَحَبَّة وَأفْضَلُ مِنْهُ؟ أَمْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ وَاجِبَةٌ؟ وإِنَّمَا تَجْوِيزُ تَرْكِهَا إلَى الْمُلْكِ لِلْعُذْرِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ؟
لكنه قال في موضع آخر: وَأَمَّا فِي شَرْعِ مَن قَبْلَنَا فَإِنَّ الْمُلْكَ جَائِزٌ؛ كَالْغِنَى يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ تَارَةً وَللصَّالِحِينَ أُخْرَى. (٣٥/ ٣٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>