ثُمَّ هَل تَرْكُهَا كَبِيرَةٌ أَو صَغِيرَةٌ؟
إنْ كَانَ صَغِيرَةً لَمْ يَقْدَحْ فِي الْعَدَالَةِ، وَإِن كَانَ كَبِيرَةً فَفِيهِ الْقَوْلَانِ.
لَكِنْ يُقَالُ هُنَا: إذَا كَانَ الْقَائِمُ بِالْمُلْكِ وَالْإِمَارَةِ يَفْعَلُ مِن الْحَسَنَاتِ الْمَأمُورِ بِهَا ويتْرُكُ مِن السَّيّئَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مَا يَزِيدُ بِهِ ثَوَابُهُ عَلَى عُقُوبَةِ مَا يَتْرُكُهُ مِن وَاجِبٍ أَو يَفْعَلُهُ مِن مَحْظُورٍ: فَهَذَا قَد تَرَجَّحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيئِّاَتِهِ.
فَإِذَا كَانَ غَيْرُهُ مُقَصِّرًا فِي هَذِهِ الطَّاعَةِ الَّتِي فَعَلَهَا مَعَ سَلَامَتِهِ عَن سَيِّئَاتِهِ: فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَاضِلُ مِن حَسَنَاتِ الْأَمِيرِ أَكْثَرَ مِن مَجْمُوعِ حَسَنَاتِ هَذَا أَو أَقَلَّ.
فَإِنْ كَانَت فَاضِلَةً أَكْثَرَ: كَانَ أَفْضَلَ.
وإن كَانَ أَقَلَّ: كَانَ مَفْضُولًا.
وَإِن تَسَاوَيا: تَكَافَآ.
هَذَا مُوجَبُ الْعَدْلِ، وَمُقْتَضَى نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ مَن يَعْتَبِرُ الْمُوَازَنَةَ وَالْمُقَابَلَةَ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الْعَدَالَةِ أَيْضًا.
وَأَمَّا مَن يَقُولُ: إنَّهُ بِالْكَبِيرَةِ الْوَاحِدَةِ يَسْتَحِقُّ الْوَعِيدَ وَلَو كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ كَثِيرَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلَا يَجِيءُ هَذَا، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ فِي الْعَدَالَةِ.
وَالْأوَّلُ أَصَحُّ عَلَى مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ النُّصُوصُ.
وَيتَفَرَّعُ مِن هُنَا مَسْأَلَةٌ، وَهُوَ مَا إذَا كَانَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ فِعْلُ الْحَسَنَةِ الرَّاجِحَةِ إلَّا بِسَيِّئةٍ دُونَهَا فِي الْعِقَابِ: فَلَهَا صُورَتَانِ:
إحْدَاهُمَا: إذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَلِكَ، فَهُنَا لَا يَبْقَى سَيِّئَةٌ؛ فَإِنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ أَو الْمُسْتَحَبُّ إلَّا بِهِ: فَهُوَ وَاجِبٌ أَو مُسْتَحَبٌّ.