ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْبَغْيُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ: يَكُون ذَنْبًا، وَالذُّنُوبُ تَزُولُ عُقُوبَتُهَا بِأَسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ: بِالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ، وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِك.
ثُمَّ إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ لَيْسَ نَصًّا فِي أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لمعاوية وَأَصْحَابِهِ؛ بَل يُمْكِنُ أنَّهُ أُرِيدَ بَهْ تِلْكَ الْعِصَابَةُ الَّتِي حَمَلَتْ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ، وَهِيَ طَائِفَةٌ مِن الْعَسْكَرِ، وَمَن رَضِيَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا.
وَمِن الْمَعْلُومِ أَنَّهُ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ مَن لَمْ يَرْضَ بِقَتْلِ عَمَّارٍ؛ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص وَغَيْرِهِ؛ بَل كُلُّ النَّاسِ كَانُوا مُنْكرِينَ لِقَتْلِ عَمَّارٍ، حَتَّى مُعَاوِيةُ، وَعَمْرٌو.
وَالْفُقَهَاءُ لَيْسَ فِيهِمْ مَن رَأْيه الْقِتَالُ مَعَ مَن قَتَلَ عَمَّارًا، لَكِنْ لَهُم قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِمَا أَكَابِرُ الصَّحَابَةِ:
أ- مِنْهُم مَن يَرَى الْقِتَالَ مَعَ عَمَّارٍ وَطَائِفَتِهِ.
ب- وَمِنْهُم مَن يَرَى الْإِمْسَاكَ عَن الْقِتَالِ مُطْلَقًا.
وَفِي كُلٍّ مِن الطَّائِفَتَيْنِ طَوَائِفُ مِن السَّابِقِينَ الْأَوَّلينَ.
فَفِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: عَمَّارٌ، وَسَهْلُ بْنُ حنيف، وَأَبُو أَيُّوبَ.
وَفِي الثَّانِي: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلمة، وَأُسَامَةُ بْنُ زيدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ وَنَحْوُهُمْ.
وَلَعَلَّ أَكْثَرَ الْأَكَابِرِ مِن الصَّحَابَةِ كَانُوا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، وَلَمْ يَكن فِي الْعَسْكَرَيْنِ بَعْدَ عَلِيٍّ أَفَضْلُ مِن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ مِن الْقَاعِدِينَ.
وحَدِيثُ عَمَّارٍ: قَد يَحْتَجُّ بِهِ مَن رَأَى الْقِتَالَ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ قَاتِلُوهُ بُغَاةً؛ فَاللهُ يَقُول: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}.
والمتمسكون يَحْتَحُّونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي أَنَّ الْقُعُودَ عَن الْفِتْنَةِ خَيْرٌ مِن الْقِتَالِ فِيهَا، وَتَقُولُ: إنَّ هَذَا الْقِتَالَ وَنَحْوَهُ هُوَ قِتَالُ الْفِتْنَةِ؛ كَمَا