جَاءَت أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تُبَيِّنُ ذَلِك، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لمْ يَأْمُرْ بِالْقِتَالِ، وَلَمْ يَرْضَ بِهِ، وَإِنَّمَا رَضِيَ بِالصُّلْحِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ اللهُ بِقِتَالِ الْبَاغِي، وَلَمْ يَأْمُرْ بِقِتَالِهِ ابْتِدَاءً.
بَل غَالِبُ النَّاسِ لَا يَخْلُو مِن ظُلْمٍ وَبَغْي، وَلَكِنْ إذَا اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ مِن الْمُؤْمِنِينَ فَالْوَاجِبُ الْإِصْلَاحُ بَيْنَهُمَا، وَإِن لَمْ تَكُنْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا مَأْمُورَةً بِالْقِتَالِ، فَإِذَا بَغَت الْوَاحِدَةُ بَعْدَ ذَلِك قُوتِلَتْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتْرُكِ الْقِتَالَ؛ وَلَمْ تُجِبْ إلَى الصُّلْحِ، فَلَمْ يَنْدَفِعْ شَرُّهَا إلَّا بِالْقِتَالِ، فَصَارَ قِتَالُهَا بِمَنْزِلَةِ قِتَالِ الصَّائِلِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ ظُلْمُهُ عَن غَيْرِهِ إلَّا بِالْقِتَالِ. [٣٥/ ٦٨ - ٧٨]
وَإِذَا كَانَ كَذَلِك: فَالْوَاجِبُ أَنْ يُسْعَى بَيْنَ هَاتِينَ الطَّائِفَتَيْنِ بِالصُّلْحِ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَيُقَالَ لِهَذِهِ: مَا تَنْقِمُ مِن هَذِهِ؟ وَلهَذِهِ: مَا تَنْقِمُ مِن هَذِهِ؟ فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا اعْتَدَتْ عَلَى الْأُخْرَى بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِن الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ: كَانَ عَلَيْهَا ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْهُ.
وَإِن كَانَ هَؤُلَاءِ أَتْلَفوا لِهَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ أَتْلَفُوا لِهَؤُلَاءِ تَقَاصُّوا بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨]. [٣٥/ ٨١]
وَالْإِصْلَاحُ لَهُ طُرُقٌ:
أ- مِنْهَا: أَنْ تُجْمَعَ أَمْوَالُ الزَّكَوَاتِ وَغَيْرُهَا حَتَّى يُدْفَعَ فِي مِثْل ذَلِك، فَإِنَّ الْغُرْمَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ يُبِيحُ لِصَاحِبِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِن الزَّكَاةِ بِقَدْرِ مَا غَرِمَ.
ب- وَمِن طُرُقِ الصُّلْحِ: أَنْ تَعْفُوَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَو كِلَاهُمَا عَن بَعْضِ مَالِهَا عِنْدَ الْأُخْرَى مِن الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ.
ج- وَمِن طُرُقِ الصُّلْحِ: أَنْ يَحْكمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ، فَيُنْظَر مَا أَتْلَفَتْهُ كُلُّ طَائِفَةٍ مِن الْأُخْرَى مِن النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ، فَيَتَقَاصَّانِ {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى}، وَإِذَا فَضَلَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute