رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو الْقُسطَنْطينيّةَ مَغْفُورٌ لَهُ" (١)، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُ يَزِيدَ.
وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ يَسُوغُ فِيهِمَا الِاجْتِهَادُ؛ فَإِنَّ اللَّعْنَةَ لِمَن يَعْمَلُ الْمَعَاصِيَ مِمَّا يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَاد، وَكَذَلِكَ مَحَبَّةُ مَن يَعْمَلُ حَسَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ؛ بَل لَا يَتَنَافَى عِنْدَنَا أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الرَّجُلِ الْحَمْدُ وَالذَّم، وَالثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، كَذَلِكَ لَا يَتَنَافَى أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لَهُ، وَأَنْ يُلْعَنَ وَيُشْتَمَ أَيْضًا بِاعْتِبَارِ وَجْهَيْنِ …
لَكِنَّ الْحَالَ الْأَوَّلَ أَوْسَطُ وَأَعْدَلُ.
وَبِذَلِكَ أَجَبْت مقدم المغل بولاي، لَمَّا قَدِمُوا دِمَشْقَ فِي الْفِتْنَةِ الْكَبِيرَةِ، وَجَرَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مُخَاطَبَاتٌ، فَسَأَلَنِي فِيمَا سَأَلَنِي: مَا تَقُولُونَ فِي يَزِيدَ؟
فَقُلْت: لَا نَسُبُّهُ وَلَا نُحِبُّهُ؛ فَاِنَّهُ لَمْ يَكُن رَجُلًا صَالِحًا فَنُحِبُّهُ، وَنَحْنُ لَا نَسُبُّ أَحَدًا مِن الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِهِ.
فَقَالَ: أَفَلَا تَلْعَنُونَهُ؟ أَمَا كَانَ ظَالِمًا؟ أَمَا قَتَلَ الْحُسَيْنَ؟
فَقُلْت لَهُ: نَحْنُ إذَا ذُكِرَ الظَّالِمُونَ كَالْحَجَّاج بْنِ يُوسُفَ وَأَمْثَالِهِ: نَقُولُ كَمَا قَالَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨)} [هود: ١٨]، وَلَا نُحِبُّ أَنْ نَلْعَنَ أَحَدًا بِعَيْنِهِ، وَقَد لَعَنَهُ قَوْم مِن الْعُلَمَاءِ، وَهَذَا مَذْهَبٌ يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، لَكِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَحَبُّ إلَيْنَا وَأَحْسَنُ.
وَأمَّا مَن قَتَلَ الْحُسَيْنَ أو أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ أَو رَضِيَ بِذَلِكَ: فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا.
قَالَ: فَمَا تُحِبُّونَ أَهْلَ الْبَيْتِ؟
(١) سبق تخريجه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute